(الطبعات الاختزالية-مجلس الدولة)

راندي ألونسو: حضرات المشاهدين والمستمعين، أسعد الله أوقاتكم.

تواصل الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأرجنتينية تفاقماً، في الوقت الذي توجه فيه وزير العلاقات الخارجية لهذا البلد إلى واشنطن لينصاع إلى مطالب الإدارة الأمريكية، بما في ذلك الاعتداء الخسيس والمشين على كوبا كثمن مقابل.

نحيي طاولتنا المستديرة لهذا المساء عن الأرجنتين وسياسة الركوع التي تمارسها وزارة العلاقات الخارجية لهذا البلد. ومن أجل هذه المداولة يرافقني على الطاولة وزير العلاقات الخارجية، الرفيق فيليبي بيريز روكي، ومدير الشؤون متعددة الأطراف في وزارة علاقاتنا الخارجية ، خوان أنتونيو فيرنانديز؛ والوزير-رئيس المصرف المركزي الكوبي، فرانسيسكو سوبيرون؛ والصحافيون: المعلق الدولي في النظام الإعلامي للتلفزيون الكوبي، إدواردو ديماس؛ والصحافي في جريدة "تراباخادوريس"، لازارو بارّيدو.

وكالعادة، يرافقنا في الأستديو رفاق من هيئات مختلفة وممثلون عن وزارة العلاقات الخارجية ووزارة العلوم والتكنولوجيا والبيئة، ومن الإدعاء العام لجمهوريتنا.

ويرافقنا على نحو خاص هذا المساء قائدنا العام، فيدل كاسترو؛ وعضو المكتب السياسي، كارلوس لاخي؛ ووفد من حزب اليسار الموحد الإسباني، الذي يتواجد في بلدنا برئاسة المنسق العام لهذه المنظمة السياسية الإسبانية، غاسبار يامازاريس تريغو؛ والنائبة إلى البرلمان الأوروبي عن هذه المنظمة، السيدة لاورا غونزاليز ألفاريز؛ ومستشار المنسق العام لليسار الموحد، بيدرو شافيز خيرالدو.

(تُبث مشاهد عن الوضع في الأرجنتين)

مدّخر: نحن ضد هذا الضبط، الذي يطالنا جميعاً. ولهذا نحن نتواجد هنا. ليس لدي ما أقدم لأولادي لكي يقتاتوا به.

مدّخر: فليعيدوا الأموال، إنها أموالنا؛ الأموال الناقصة هم الذين سرقوها، لنر إذا كان العالم يفهم ذلك.

مدّخر: إن هذا النموذج يقوم بقتل التعليم والصحة العامة، وهما الوحيدين ما عند الشعب من شيء.

راندي ألونسو: وفي الوقت الذي كان فيه مئات المدخرين يطالبون في مظاهرة ضرب على الطناجر خرجوا بها هذا الصباح، قبالة وزارة الاقتصاد، باستعادة إيداعاتهم بالدجور وسط حراسة بوليسية مشددة، اختتم وزير العلاقات الخارجية الأرجنتيني، كارلوس روكاوف، زيارة لواشنطن.

لدي هنا برقية صحفية، صادرة من واشنطن، تقول:

"بعد جهود متكررة من أجل الإثبات للبيت الأبيض بأن الأرجنتين ما زالت حليفاً غير مشروط للولايات المتحدة، أنجز وزير العلاقات الخارجية الأرجنتيني، كارلوس روكاوف، هذا الثلاثاء، اتصالاته في واشنطن، حسبما ذكرت أنباء أوردتها سي أن أن".

أقترحُ على مشاهدينا ومستمعينا مشاهدة النبأ الذي نقلته شبكة سي أن أن بالإسبانية والتلفزيون الإسباني الليلة الماضية واليوم عن زيارة وزير العلاقات الخارجية الأرجنتيني لواشنطن واتصالاته بالمسؤولين الأمريكيين.

مراسلة: بدت على وزير العلاقات الخارجية الأرجنتيني، كارلوس كراوف، هذا الثلاثاء علامات الضغط المحتمل الذي يعيشه.

كارلوس روكاوف: نعم، قصير جداً، لأنني أعاني صداعاً حاداً كما تعرفون.

مراسلة: المسألة أن جدول أعمالكم مكثفاً؛ فمنذ يوم الاثنين وحتى الآن عقدتم اجتماعات في البيت الأبيض، وفي وزارة المالية، ومع الوزير باول أونيل، وفي وزارة الخارجية مع الوزير كولين باول.

كارلوس روكاوف: لقد سلمنا رسالة شخصية من الرئيس دوهالدي للرئيس بوش يؤكد له فيها صفتنا كحليف من خارج حلف الناتو، وبأننا سنسير أيضاً باتجاه اقتصاد حر في الأرجنتين.

مراسلة: أتى الأرجنتينيون حاملين معهم حقيبة مليئة بالنوايا الطيبة، على أمل أن يقيّم البيت الأبيض ما إذا كان للحقيبة ما يكفي من الوزن.

فعلى سبيل المثال، قال روكاوف بأن الأرجنتين ستواصل دعم مشروع "منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين".

مارتين ريدرادو: تؤكد الأرجنتين اليوم مجدداً على إرادتها في التكامل، وعلى الجدول الزمني "لمنطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين". هناك مواضيع صعبة بانتظارنا، كما هو حال الموضوع الزراعي، الذي يفصلنا في هذا اليوم؛ ولكن إرادتنا تكمن في تنفيذ هذا الجدول الزمني.

مراسلة: ولكن من أجل المشاركة في ذلك، في حال تحققت "منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" في عام 2005، تصرّ الأرجنتين على أنها بحاجة لإنعاش اقتصادها، وجزء جوهري من ذلك يكمن في الصناعة السياحية.

مارتين ريدرادو: لقد طلبنا من الوزير باول اليوم مراجعة وضع التنبيه السياحي الذي تم تقديمه في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي بالقول أن هذا الموضوع هو موضوع يمكن تجاوزه تماماً.

مراسلة: غير أن السياحة وحدها لن توفر للأرجنتين كل الأموال اللازمة للخروج من أزمتها.

ولهذا فإن طلب حكومة الرئيس بوش، حتى الآن، هو الإصغاء والتحليل والتحرك؛ ولكن ذلك لن يتم إلا عندما تكون مقتنعة بأن الخطة الأرجنتينية تتمتع بالوزن الكافي.

مراسل: تريد الأرجنتين مساعدة مالية بأسرع وقت من أجل الخروج من أزمتها. وفي هذا الموقف يضحي الدعم الأمريكي أساسياً، وهذا ما أبلغه وزير الخارجية الأرجنتيني لكل من وزير الخارجية الأمريكي، كولين باول، ووزير المالية، باول أونيل، على حد سواء.

وقد سلم كارلوس روكاوف رسالة شخصية من الرئيس الأرجنتيني إدواردو دوهالدي لجورج بوش.

كارلوس روكاوف: لقد سلمنا رسالة شخصية من الرئيس دوهالدي للرئيس بوش يؤكد له فيها صفتنا كحليف من خارج حلف الناتو، وبأننا سنسير أيضاً باتجاه اقتصاد حر في الأرجنتين، من أجل رفاهية شعوبنا.

مراسل: في هذه الرسالة يلتمس دوهالدي من بوش أيضاً التفهم حيال الأزمة التي تعانيها البلاد ويطلب إليه بأن تنظر الحكومة الأمريكية بأسرع وقت ممكن بصيغ لتقديم المساعدة العاجلة للأرجنتين. وعن هذه المساعدات التي تحتاجها البلاد ستتم معاودة الحديث اليوم في بوينوس أيريس.

ويصل هذا الأربعاء إلى الأرجنتين ممثل عن صندوق النقد الدولي من أجل معرفة تفاصيل محددة عن خطة دوهالدي للخروج من الأزمة.

وقد بحث الرئيس الأرجنتيني الوضع الحرج الذي تعيشه بلاده مع الرئيس الأورغوائي، خورخي باتلي، في حين تتواصل الاحتجاجات قبالة المصارف على قيود ال‍ "كورّاليتو" الشهيرة.

مدّخر: لماذا يدفع لي بالبيسو ما دام يبيع الدولارات على الشباك الآخر؟ لماذا؟ لا أفهم ذلك بعد.

مراسل: احتجاجات أمام المصارف وفي الشوارع أيضاً. عشرات العاطلين عن العمل قطعوا يوم أمس عدة معابر إلى العاصمة للمطالبة بالطعام وبفرص العمل.

راندي ألونسو: وتكللت زيارة وزير الخارجية الأرجنتيني لواشنطن بصداع حاد. فمن جهة يأتي واقع بلاده، ومن الجهة الأخرى المهمة التي ذهب للقيام بها في واشنطن وتصريحاته، بعد هذه الزيارة التي اختتمها يوم أمس، والتي لم تشمل هذه العناصر التي تمكنتم من ملاحظتها في هاتين المادتين الاعلاميتين لشبكة سي أن أن بالإسبانية والتلفزيون الإسباني.

الدافع لعقد طاولتنا المستديرة هو أيضاً تصريحات أخرى أدلت بها وزارة العلاقات الخارجية الأرجنتينية يوم أمس على أثر زيارة وزيرها هذه لواشنطن.

لقد تابع إدواردو ديماس هذه الأنباء من خلال البرقيات الصحفية ويقدم لنا تفاصيل عنها.

إدواردو ديماس: بمعلومة صغيرة أولاً: يمكن لسبب الصداع ألا يكون القلق على الوضع الأرجنتيني بقدر ما هو التمادي في خفض الرأس. بل وأنها ليست مستبعدة إمكانية العلاقة بين الصداع وبين الانحناء والجثو. وأعتقد أن ذلك ملائماً، وربما يكون هذا السيد ممنوناً له.

لقد توجه روكاوف لأهداف عدة. الهدف الرئيسي هو الهدف الاقتصادي، بل وتمهيد الظروف لوزارة المالية، وهي الجهة المكلفة تقديم المشروع الاقتصادي الذي أُعلن عنه، وستكشف عن فحواه يوم السبت المقبل. وضمن هذا كانت كوبا، أي الموضوع الكوبي.

في الاجتماع مع باول –وعن هذا يتوفر كمّ هائل من الأنباء- طرح وزير الخارجية الأرجنتيني، على سبيل المثال، حسب "وكالة الصحافة الفرنسية"، لمجرد الذكر وفي سبيل الإيجاز بأكبر قدر ممكن:

"قرّبت الولايات المتحدة والأرجنتين مواقفهما حيال حل الأزمة وحقوق الإنسان في كوبا"

"نوتيمكس.- ستتبنى الأرجنتين موقف الولايات المتحدة" –يبدو لي بأن هذا هو أدق عنوان- "حول حقوق الإنسان في كوبا". وليس الأرجنتين، الشعب الأرجنتيني، إنها وزارة العلاقات الخارجية، أعتقد أن هذا التوضيح ضروري.

"رويترز.- تقول الأرجنتين بأنها تتعاون مع الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان في كوبا"، وزارة الخارجية طبعاً هي التي تقول بأنها تتعاون.

عمَّ جرى الحديث؟ حسناً، كل الأمور تدلّ على أنه سيتم هذه السنة طرح قرار إدانة جديد، على غرار ما فعلت الجمهورية التشيكية خلال السنوات الأخيرة، وكل الأمور تشير أيضاً إلى أن الأرجنتين، التي صوتت لصالحه في العام الماضي، ربما تكون هذه السنة هي من يقدّمه، لأن الأنباء تقول بأنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول الطريقة التي سيتم بها ذلك. ما هو حاصل على الأرض هو استسلام كامل من جانب وزارة العلاقات الخارجية الأرجنتينية للموقف الأمريكي، وقال المتحدث، مارتين ريدرادو، بأنه لم يتم اتخاذ قرار بشأن أي تحرك محدد، فهذا أمر سينظر به المسؤولون ذوو الصلة لاحقاً".

وأضاف بأنه:

"ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع هو نظرة مشتركة، وهي الدفاع عن الحقوق الإنسانية للشعب الكوبي، من عقاب الدكتاتورية الوحيدة التي بقيت اليوم في أمريكا اللاتينية، والعمل طبعاً من أجل أن يكون الشعب الكوبي حراً".

ويتكرر هذا في كل البرقيات الصحفية التي لديّ هنا على الطاولة.

الآن، أنا أريد أن أذكّر بكلمات قالها الرئيس دوهالدي حين دعا، إلى جانب الكنيسة، إلى حوار وطني، وقال حرفياً:

"إننا ننطلق من حاضر يتسم بالحرمان الشديد، لا بد من القضاء على الفقر، وهي الأرضية الدنيا"، هذا ما أكده الرئيس قبل أن يعترف بأنه قد تم في البلاد "انتهاك حقوق الإنسان بالحياة، بالصحة، بالغذاء، بالملبس وبالتعليم".

عن أي حقوق يحدّثنا السيد روكاوف؟

في نهاية المطاف، يا راندي، وكما ذكرت لك في البداية، يبدو لي بأنه آخذ بالنشوء الوضع الذي ليس مفاجئاً برأيي، بمعنى أن هذا السيد تبنى موقفاً متشدداً تجاه كوبا. حسناً، هنا تكمن السابقة، وهي أن وزير الخارجية الآخر فعل أيضاً ذات الشيء، كما فعله السابقون. ولنتذكر علاقات اللحم والظفر مع الولايات المتحدة التي تحدث عنها وزير خارجية راحل.

تقول أنه عدا عن الأزمة الأرجنتينية، الموضوع الوحيد الذي تم تناوله بعد هذا الاجتماع مع باول كان موضوع كوبا. فتشير: "تم الحديث بوضوح عن سياسة حقوق الإنسان، وعن الدفاع عن الحقوق الإنسانية للشعب الكوبي، والموقف المشترك بين الحكومتين الأرجنتينية والأمريكية، وهو موقف سنحافظ عليه في منظمة الأمم المتحدة"، هذا ما شرحه مارتين ريدرادو، وهو سكرتير العلاقات الاقتصادية الدولية لوزارة الخارجية الأرجنتينية والذي قام بدور المتحدث في هذه التصريحات. حسناً، فكما رأيتم، وزير الخارجية يعاني صداعاً.

وقال ريدرادو لاحقاً: "تم الحديث عن عمل مشترك، وعن نظرة مشتركة، وهي الدفاع عن الحقوق الإنسانية للشعب الكوبي، من عقاب الدكتاتورية الوحيدة التي بقيت اليوم في أمريكا اللاتينية، والعمل طبعاً من أجل أن يكون الشعب الكوبي حراً".

وتضيف البرقية الصحفية لاحقاً: "أوجز مراسل لصحيفة برازيلية في واشنطن انطباعه بعبارة واحدة: ‘إنه الثمن‘.

بقي عند الصحافيين أسئلة كثيرة، ولكن وزير الخارجية لم يشأ الرد عليها، مشيراً إلى أنه يعاني من صداع حاد، في حين أُبلغ ريدرادو بأن عليه الانصراف، لأنه ليس لديه إلا وقتاً قصيراً من أجل التوجه إلى المطار، من حيث غادر الوفد متوجهاً إلى روما لمواصلة جولته.

وتوجه مراسل لوكالة أجنبية لم يحصل على الأجوبة التي أرادتها بالسؤال للصحافيين الأرجنتينيين الذين كانوا هناك عما إذا كانت عندهم فكرة عن الداعي لنشوء موضوع كوبا في اجتماع ضيق بالكاد امتد نصف ساعة مع باول، في الوقت الذي تنغمس فيه الأرجنتين في حالة من الاضطراب المالي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

ابتسم الصحافيون الأرجنتينيون، وأجاب واحد منهم فقط بسؤال: ‘أليس واضحاً؟‘".

أعتقد أن ما يمكننا أن نقوله نحن يفيض عن الحاجة، ولكنها تقوله الصحافة الأرجنتينية نفسها.

نُشرت اليوم عدة تعليقات في الصحافة الأرجنتينية وأعتقد أنه من المفيد يا لازارو تناول هذه المقالات نفسها المنشورة في الصحافة الأرجنتينية، وأن تعرّفنا قليلاً بشخصية كارلوس روكاوف، هذا الوزير الجديد للخارجية الذي ذهب إلى واشنطن ليعرض موقفه ويقوم بما قام به من انحناء وجثو، كما ذكر ديماس.

لازارو بارّيدو: بما أن وزير العلاقات الخارجية حاضراً هنا لا أود إقحام وزارة الخارجية في ما سأقول. ولكن في الحقيقة أن الشعور الغالب اليوم في الشارع، ما يقوله أشخاص كثيرون هو أن هناك على ما يبدو تزاحماً في وزارة الخارجية الأرجنتينية في الموضوع المعادي لكوبا، لأن غيدو دي تيجا الراحل هو من تحدث أولاً عن التحالف خارج الناتو، "وعلاقات اللحم والظفر" وربط العلاقات مع الولايات المتحدة بمجال حقوق الإنسان تجاه كوبا، درجة أنه بدا وكأنه ليس فيها أكثر من هذا.

وصل حينها وزارة الخارجية جيافاريني وتحدث عن "العلاقات القوية" وتغلب على غيدو دي تيجا بلهجته، والآن يصل روكاوف ليتكلم عن "الضرّيّة". لا بد من معرفة ما الذي يقصده بذلك. الحقيقة هي أنه باع نفسه، وفتح ساقيه ملئيهما أمام الولايات المتحدة وما نتج عن هذا الموقف هو تصريحات ريدرادو التي أدرجتها الصحافة الأرجنتينية اليوم.

ولكن "باخينا 12" نشرت اليوم كل ما حدث، فتقول:

"روى نائب وزير الخارجية الاقتصادي، مارتين ريدرادو، بحماس يوم أمس أنه في اجتماع كارلوس روكاوف مع وزير الخارجية كولين باول تم الحديث بوضوح عن الحقوق الإنسانية للشعب الكوبي. هذه الصيغة هي عادة تلطيف للعبارة في الإشارة إلى ما سيكون عليه تصويت الأرجنتين.

لا حاجة لقراءة ما يقوله ريدرادو بين السطور –والقول لصحيفة ‘باخينا 12‘- فقد كان شفافاً. قال بأن كلا الحكومتين اتفقتا في الرأي حول الموقف الذي سنتخذه بشكل مشترك في الأمم المتحدة. بل وأنه تجاوز ذلك". وإذا كانت تصريحاته تعني ما تقوله فإنه ذكر بأن الأرجنتين تعهدت بالعمل من أجل أن يكون الشعب الكوبي حراً. أي أنه ليس أن الأرجنتين، إلى جانب بلدان أخرى، ستدعو كوبا بكل بساطة إلى جعل نظامها السياسي ليبرالياً، وإنما أنها ستتخندق في الصف الأمامي للمعركة. ولا حتى منعم، في علاقات اللحم والظفر التي أقامها، طرح الأمور بكل هذا الفجاجة. إذا ما تابعنا خط ريدرادو نجد بأن الأرجنتين ستسجل مستوى من الفارق مع بقية أمريكا اللاتينية ليس ملائماً للبلاد، في حين يجب أن يكون لبّ السياسة الخارجية مراكمة الدعم بدل فقدانه. الحجة المقابلة يمكن لها أن تكون أن الأرجنتين بحاجة لدعم مالي من صندوق النقد الدولي، ولتحقيق ذلك لا بد من إيماءة من وزير المال الأمريكي.

إذا كان كذلك، فإنه لا جدوى من الإيماء للقطاع الأكثر تشدداً من الجالية الكوبية-الأمريكية في الولايات المتحدة. للأسف الشديد، ولكنه الواقع، أن عند الأرجنتين سلاحاً أقوى بكثير من سلاح التمادي في تحركها إزاء كوبا. فإذا ما دخل هذا البلد في حالة اضطراب لا يمكن السيطرة عليها، فإن المخروط الجنوبي سيتبعه. وواشنطن تخشى أن يعم الاضطراب في منطقة من العالم ليست كذلك.

هذه هي الحجة الأرجنتينية الكبرى".

على هذا النحو تعكس صحيفة "باخينا 12" اليوم تصريحات ريدرادو هذه والتنويه إلى روكاوف.

من هو روكاوف؟ في الحقيقة، من أجل الحديث عن حقوق الإنسان يلفت انتباه المرء كيف أن بعض السياسيين –وهذه هي إحدى الحالات-، من ذوي الانحطاط الأخلاقي الهائل والازدواجية في المقاييس، يحاولون أن يقيسوا بلداناً أخرى.

كان روكاوف رئيساً للحكومة الأرجنتينية، وتقع عليه مسؤولية في ما يحدث الآن في ذلك البلد. كان حاكماً لمحافظة بوينوس أيريس، يقال الآن بأنه رضي بمنصب وزير الخارجية لكي يهرب من الوضع الذي خلقه في تلك المحافظة بالذات، حيث تحولت هذه المحافظة إلى محافظة في أزمة وبمستويات عالية من الفقر والتهميش، وهو ما عاد به هذا الرجل كحاكم.

على سبيل المثال –لأن من شأن ما أقول أن يكتنز كما هائلاً من الجوانب-، روكاوف هو المسؤول الأول عما تم الكشف عنه من أعمال بطش بوليسي ارتفعت وتيرتها خلال عهده كحاكم.

ومن أجل إعطاء فكرة واحدة، أقدمت الشرطة الأمنية في عامي 1999 و2000 على إطلاق النار على ستين طفلاً أو فتىً دون السابعة عشر من العمر، وهذا الرجل كان مدافعاً عن العناصر الأمنيين أولئك. قال بوقاحة أمام الصحافة: "لن أفتح محاكمات سلبية بحق الموظفين تحت أمرتي"، وبرّر إجراءً بالغ البربرية كتلك المحاكمات غير القضائية التي أفضت إلى مقتل ستين شاباً وفتى.

ولكن إذا أردنا أن نقيس فعلاً مدى وقاحة هذا السيد الذي يُكثر الحديث عن حقوق الإنسان هو ما تُبزه الصحافة الأرجنتينية عن معلم قضى 100 يوم قبالة كونغرس مضرباً عن الطعام. بدأ ذلك الإضراب لأن الحاكم كارلوس روكاوف رفض طلبه بالعودة كمعلم ذي كرسي ورفض أيضاً فتح تحقيق حول جملة من الشكاوى رفعها المعلم إيّاه وتطال موظفين في الحكومة الإقليمية.

تصف الصحافة الأرجنتينية تصرف هذا الحاكم بأنه متغطرس ومؤسف، والذي لا يعرف حدوده على ما يبدو: بمناسبة عيد رأس السنة الماضي، تلقى هذا المعلم المضرب عن الطعام رسالة موجهة بشكل مباشر من كارلوس روكاوف، وزير الخارجية الأرجنتيني الحالي العتيد، وسلمه إياها أحد الموظفين بمناسبة حلول احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة. رسالة وجهها إليه الحاكم مباشر لكي يتمنى له قضاء احتفالات سعيدة. هل يمكن وجود وقاحة أكبر من هذه!

يمكن لهذا أن يعطينا صورة عمّن نحن بصدد الحديث عنه، الاستهزاء الفظ بمعلم مضرب عن الطعام منذ 100 يوم، لأنه حُرم بالذات من فرصة العودة للعمل كمعلم ذي كرسي.

راندي ألونسو: أضف إلى ذلك أيضاً، يا لازارو، بأن حكم روكاوف في بوينوس أيريس اعتُبر الأكثر فساداً ورشوة في تاريخ تلك المدينة، مقابل الوضع الذي تعيشه اليوم الأرجنتين طبعاً.

شكراً على تعليقك.

تندرج تصريحات وزير الخارجية روكاوف والمتحدث باسمه، نائب وزير الخارجية الأرجنتيني، يوم أمس في واشنطن، وتُفهم ضمن منطقية سياسة التلاعب السياسي بموضوع حقوق الإنسان ضد بلدنا التي أخذت الولايات المتحدة باستخدامها منذ أكثر من عقد من الزمن، وهو موضوع له سوابق هامة. بودي لو يعيد مدير الشؤون متعددة الأطراف في خارجيتنا، خوان أنتونيو فيرنانديز، هذه السوابق الهامة من تلاعب الولايات المتحدة السياسي بموضوع حقوق الإنسان في حال كوبا.

خوان أ. فيرنانديز: نعم، راندي.

أعتقد أنه من المفيد التنويه أولاً لما رأيناه وسمعناه من التعليقات التي أجراها المشاركون الآخرون في هذه الطاولة.

يقال بأن وزير الخارجية الأرجنتيني، روكاوف، قد وصل إلى واشنطن بجعبة محملة بالطلبات –صحيح-، ووجد من الطرف الآخر جعبة أخرى مليئة بالشروط، ومن بين هذه، واحد ذو أولوية كبيرة، وهو اشتراط التصويت ضد كوبا في لجنة حقوق الإنسان؛ أي أنه التزام معلن من جانب الأرجنتين بالتصويت ضد كوبا في اللجنة المشرفة على الالتئام في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل من العام الحالي.

لمَ هذه الأولوية؟ لمَ هذا الإصرار؟ إنه أمر يسهل إدراكه: موضوع حقوق الإنسان والمناورات ضد كوبا في جنيف هو عملياً آخر تبرير بقي في أيدي تلك القطاعات التي يصغر حجمها أكثر في كل مرة داخل الولايات المتحدة، وهي قطاعات تحاول بهذه الطريقة أن تعطي صفة شرعية لسياسة الحصار القاتلة ضد الشعب الكوبي؛ من هنا تأتي الأولوية التي تُعطى لهذه القضية.

لم يبدأ ذلك في الأمس، وإنما له سوابق كثيرة. فعلينا أن نتذكر بأن منذ نهايات أعوام الثمانينات تحدث سفير الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة آنذاك، الجنرال فيرنون والتيرز، عن وجود عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في كوبا وعن عشرات الآلاف ممن يتم تعذيبهم في كوبا؛ أي أنه قد تم اختلاق حجة مصطنعة، بكثير من الأموال، وبوسائلهم الإعلامية، من أجل إعطاء صورة شيطانية، إبليسية عن كوبا وثورتها، وعن المشروع الذي قمنا به هنا على مدى كل هذه السنوات. هذا ما كان عليه الطرح في نهايات أعوام الثمانينات.

حاولوا في البداية تمرير قرارهم في الجمعية العامة؛ لم يتمكنوا من ذلك، فالعالم كان يختلف، وميزان القوى كان مختلفاً.

انتقلوا حينها إلى جنيف، إلى لجنة حقوق الإنسان. لماذا؟ إنها هيئة أصغر، وذات تركيبة أضيق، يمكن التحكم بها، والضغط، ولوي الإرادة بسهولة أكبر؛ وشرعوا بهجماتهم هناك. هذا ما كان عليه الحال في أعوام 1987، 1988، 1989، ولم يتمكنوا خلال تلك السنوات من تمرير القرار. وفي نهاية الأمر، ميزان القوى كان مختلفاً أيضاً بعض الشيء.

ولكن في حين كانوا يقومون بذلك في جنيف، حاولوا في الوقت إياه أن يشكلوا، أو كانوا ينوون أن يشكلوا هنا، طابوراً خامساً من المأجورين بخدمتهم؛ أي ثورة مضادة مزيّنة بصورة مدافعين عن حقوق الإنسان، لكي يقوموا انطلاقاً من هنا بالمساهمة بتحقيق تلك الغايات. لم يتمكنوا من فعل شيء أو آخر، وخلال عامي 1988 و1989 لم يستطيعوا تمرير ذلك القرار.

لم يكن حتى عام 1990 –ويمكن تفسير ذلك بسهولة- أن تمكنوا من إنجاح القرار؛ عام 1990، لأن العالم كان قد أصبح متبدلاً: تفكك المعسكر الاشتراكي، ذلك العالم الذي عرفناه في لحظة معينة، وتغيّر ميزان القوى؛ وكانت البلدان الأمريكية اللاتينية في موقف أضعف وأكثر هشاشة. ولا بد من القول أنه حتى في عامي 1998 و1989 قاومت هذه البلدان –وبعضها أمريكية لاتينية-ضغوطاً معينة، بل ووصل بها الأمر لأن تصوت ضد تلك المحاولات الرامية لإعطاء صورة شيطانية عن كوبا وعزلها في اللجنة.

حسناً، في عام 1990 تمكنوا من إنجاحها بميزان القوى الجديد هذا. كانت تلك سنة التغيرات الكبيرة التي نعرفها، تغيرات أوروبا الوسطى والشرقية.

لا بد من التذكير أيضاً –لأنه من المفيد العودة إلى التاريخ دائماً- بتحرك الحكومة الأرجنتينية، التي تلقت أمراً من حكومة الولايات المتحدة، وغيرت في اللحظة الأخيرة ما كانت قد أعطته من توجيه لوفدها الذي انتقل للتصويت مع القرار بعدما صوت ضده في عام 1989، وذلك بعد إيعاز هاتفي من واشنطن أعطى توجيهات بكيفية ما ينبغي عليه أن يكون تصويت الأرجنتين.

أود أن أتوقف هنا، لأن هناك أمراً اتسمت به عملية تقديم القرارات هذه والسيرك الذي يتم القيام به سنوياً ضد كوبا في جنيف، وهي دبلوماسية الإيعازات الهاتفية. يرسلون لك بالقول كيف يجب عليك أن تصوت؛ ولكن يبدو بأن هذا لم يعد كافياً. قبل قليل تم هنا ذكر الانحناء والجثو؛ بلغ هذا لدرجة أنه أصبح يتوجب اليوم الذهاب إلى واشنطن للإعلان عن صوتهم. ولا حتى في عواصمهم يقولون الأمور! يذهبون إلى هناك ليقولوا ما الذي سيفعلونه.

في السنوات الأول من عقد التسعينات، يا راندي، بعدما تم إقرار القرار، واصلت الولايات المتحدة تقديمه عبر نفس السبل السابقة، أي سعياً لتحقيق إدانة لكوبا، ومطلقة كل الأكاذيب التي اخترعتها والتي لم تنته إلى أي نتيجة في الختام، لأن هذه الممارسة بدأت تفقد الدعم والمصداقية: ومن جهة، تأتي مقاومة كوبا وشعبها خلال هذه السنوات الصعبة، مراهنين على أننا سنكون هناك وبالدفاع عن مكتسباتنا حتى النهاية؛ لم يتمكنوا من إقناع هذه اللجنة. كان القرار ينجح بعدد أقل من الأصوات في كل سنة، كما كانت تزداد مقاومة بلدان العالم الثالث أمام هذه المناورات الواضحة جداً.

كانت هذه الممارسة ممارسة مستنزفة مرت بهذا الحال على مدى سنوات عقد التسعينات.

من الجيد القول، يا راندي –وأعتقد أنه مفيداً تكراره-، بأنه في ذلك الحين لم يعد يتم الفصل في موضوع حقوق الإنسان في كوبا، فأحد لم يعد يصدق هذه الرواية، بكل بساطة؛ ما نعارك من أجله في جنيف هو حقنا بتنظيم أنفسنا كما نريد، بأن نعطي لأنفسنا نظاماً خاصاً بنا، نظاماً سياسياً واجتماعياً كالذي لدينا. هذا هو ما يتم وضعه موضع شك هناك وهذا هو ما لن نقبله أبداً.

أخذت هذه الممارسة بفقدان المصداقية، كما شرحت قبل قليل، حتى عام 1997. في عام 1998 مني القرار بهزيمة واضحة، فلم يعد بالإمكان نفخ تلك الكرة أكثر مما كانت منتفخة، وتوقفت تلك الممارسة في نهاية المطاف. عادت في عام 1999 بشكل جديد، عندما تم انطلاقاً من واشنطن تجنيد الجمهورية التشيكية لكي تقوم بالعمل القذر في لجنة حقوق الإنسان، وهكذا كان للجمهورية التشيكية أن تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى الطرف الذي يقدم القرار–وشعبنا على إطلاع واسع، لأنه قد تم على هذه الطاولات نفسها مناقشة ذلك.

في العام الماضي تم إقرار القرار بفارق صوتين، وهكذا كان عليه الحال خلال السنوات الثلاث هذه، صوت أو صوتين، ولا يتمكنون من تحقيق ذلك –إنه النوع من الانتصارات الوهمية- إلا بقوة أرعن الضغوط على أعضاء لجنة حقوق الإنسان.

لا بد من التذكير بأن الجمهورية التشيكية كانت في العام الماضي، وفيما بلغ أشد درجات الإذلال، قد أدرجت فقرة صغيرة تحتوي على انتقاد للحصار خجول جداً، كما لو أنه كان بالإمكان التوفيق بين أمر وآخر، ولا حتى هذا تمكنوا من تحمله، فكانت مكالمة هاتفية من واشنطن للرئيس هافل كافية لكي يختفي ذلك من الوجود وتعود الوثيقة إلى وضعها المعهود، كعادتها.

هذا هو الوضع الذي واجهناه حتى العام الماضي الذي تمت فيه الموافقة على القرار، وأكرر، بفارق صوتين، 22 معه و20 ضده.

والآن، ماذا حدث؟ ما هو عليه الوضع؟ في أي نقطة نتواجد؟ حسناً، يجب التذكير أولاً بإخراج الولايات المتحدة من لجنة حقوق الإنسان بعد خمسين سنة من عضويتها فيها، وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ الأمم المتحدة؛ لقد فقدت مقعدها هناك، لأن الناس بكل بساطة قد ملّوا من تصرفها وعجرفتها وغطرستها في تلك اللجنة. ويجب التذكير بأن الأمر وصل بالولايات المتحدة أن تصوت بمفردها ضد قرار كالقرار الذي ينادي بالحق بالغذاء، أو بمفردها لكي لا تتم إدانة إسرائيل بسبب انتهاكاتها الواسعة والفاضحة لحقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة وفلسطين، وبسبب سياسة من جانب واحد تنبذها الأسرة الدولية جمعاء، الأمر الذي تضاف إليه بشكل واضح جداً الضغوط الفظة من أجل إنجاح القرار المعادي لكوبا.

لقد أصبحت الولايات المتحدة خارج اللجنة؛ هذه المرة ليست عضواً فيها، وذلك للمرة الأولى منذ خمسين سنة، يضاف إلى هذا ما تعرضت له الجمهورية التشيكية من استنزاف وفقدان للمصداقية، حيث أنه ليس بوسعها أن تقنع أحداً بغير أن المسألة ليست مسألة أي اهتمام بحقوق الإنسان ولا أقل من ذلك شأناً، وإنما هي بكل بساطة تسدي خدمة زبون لمخدومه.

لقد أخذت تظهر على الجمهورية التشيكية علامات الإنهاك، التعب، وربما النية على عدم مواصلة هذه الممارسة، ولذلك برزت مهمة البحث عن زبون جديد يؤدي هذا العمل، أي تقديم القرار ضد كوبا.

وفي هذه الأيام يقوم العديد من المبعوثين –في كل سنة يحدث ذات الشيء، فهذه هي قصة تتكرر-، وهناك أحد نواب وزير الخارجية التشيكي يقوم بجولات هنا في هذه المنطقة بحثاً عمّن يجنده –والوزير سيقدم المزيد من المعلومات لاحقاً-، ولكن مزيداً من ذات الشيء، إنه يبحث عمّن يجنده للقيام بالعمل القذر ضد كوبا.

هذا هو الوضع الذي نحن فيه.

نذكّر بأن أربعة بلدان من أمريكا اللاتينية صوتت في العام الماضي ضد كوبا؛ وفي هذه السنة تركيبة اللجنة هي نفسها تقريباً. ما هي البلدان الأمريكية اللاتينية الأعضاء؟ شيلي، المكسيك، كوستاريكا، كوبا، غواتيمالا، بيرو، أوروغواي، فنزويلا، الأرجنتين، البرازيل والإكوادور. هذا هو الوضع الذي أمامنا في هذه اللحظة، التي أشرح لك فيها الطريقة التي تتكثف فيها المساعي في هذه المنطقة من العالم. لماذا؟ سنرى ذلك لاحقاً.

راندي ألونسو: لقد قدمتم لنا في شرحكم عناصر هامة طبعاً عن الكيفية التي أخذت ممارسةٌ بالسقوط إلى الحضيض، وهي الممارسة التي قامت بها الولايات المتحدة داخل لجنة حقوق الإنسان. وإذا ما كانت سياسة الولايات المتحدة في هذه اللجنة قد أصبحت في الحضيض، فإنها إلى حضيض أعمق تسير سياسة الذين استخدمتهم كزبائن لكي يقدموا هذه القرارات، ولهذا توجد مناورات أمريكية جديدة تومئ نحو منطقتنا، وأعتقد أنه لمن الهام جداً أن يطلع وزير خارجيتنا، فيليبي بيريز روكي، شعبنا وأن يطلع الرأي العام على الطريقة التي تتحرك بها السياسة الأمريكية، الرامية لتحقيق إدانة لبلدنا في لجنة حقوق الإنسان التي ستنعقد في الأشهر المقبلة.

فيليبي بيريز: نعم، يا راندي، كما سبق وشرح الرفيق خوان أنتونيو، إننا نعيش لحظة جديدة، لنقل أنها حاسمة، من التلاعب بموضوع حقوق الإنسان ضد كوبا؛ إننا نعيش الوضع الذي يجري فيه البحث عن مقترِحٍ للقرار. الولايات المتحدة ليست عضواً في اللجنة، فليس بوسعها أن تقدمه هذه السنة؛ الجمهورية التشيكية أعطت إشارات معناها أن هذه الممارسة مزعجة، مُنهكة، وتنطوي على تكلفة لها في علاقاتها، بما في ذلك مع بلدان الاتحاد الأوروبي، التي كان لها مع بعضها تناقضات جدية في العام الماضي بسبب صياغة النص، اعتباراً من أنهم لا يتمتعون باستقلالية اتخاذ قرار بما يجب وضعه في القرار، وأي فقرة تزال أو توضع هي صلاحية يُحسم أمرها في وزارة الخارجية الأمريكية.

إننا نتواجد في هذه النقطة. إذن، ما الذي يحدث وما الذي أتينا للكشف عنه هنا علناً أمام شعبنا، أمام الرأي العام؟ هناك مناورة جديدة يتم القيام بها ضد كوبا، مؤامرة تحاول البقاء في السر، في خفية عن الرأي العام لأمريكا اللاتينية والأسرة الدولية.

هناك مساعٍ حثيثة تقوم بها الولايات المتحدة مع وزارات الخارجية الأمريكية اللاتينية: اجتماعات على أرفع المستويات، زيارات مكثفة؛ وفود ومبعوثون يسافرون من مكان إلى آخر؛ بلدان أمريكية لاتينية تتحرك بحمل رسائل إلى بلدان أخرى؛ مشاورات تجريها وزارة الخارجية الأمريكية مع بلد أوروبي ما ذي تأثير قوي في أمريكا اللاتينية لكي يساعدهما على تنظيم موضوع قيام عدة بلدان أمريكية اللاتينية بتقديم المشروع؛ تدابير يقوم بها التشيكيون، في سعي يائس منهم لإيجاد بديل لهم، أمام خشيتهم من أنه في حال عدم ظهوره سيقع على عاتقهم مجدداً هذه السنة تقديم القرار المعادي لكوبا.

زيارات يقوم بها تشيكيون في أنحاء أمريكا اللاتينية، اجتماعات تآمرية سرية، ولقاءات في الممرات، مشاريع وثيقة تم الأخذ بإعدادها، إننا نعرف كل شيء، كل شيء. لا ينبغي التقليل من شأن قدرة ما لدى كوبا من أصدقاء في كل العالم والمكانة التي أوجدتها الثورة لنفسها والرفض الذي تبعثه هذه المناورة عند أناس شرفاء كثيرين في العالم؛ ونعرف، ونتابع، نعرف من الأشياء أكثر بكثير مما يمكن أن يتصوره المتآمرون.

بالإضافة إلى وزارة الخارجية الأرجنتينية التي فكروا بانتزاع تعاونها في خضم الأزمة اليائسة التي قادوا هذا البلد إليها، هناك وزارتا خارجية أمريكيتان لاتينيتان تحركت الدبلوماسية الأمريكية تجاههما وتعلقن عليهما أكبر الآمال. وهناك وزارات أخرى لا تعلق وزارة الخارجية الأمريكية عليها أي أمل بالنجاح؛ من الاثنتين المذكورتين هناك واحدة تقدم لها الدعم بحماس حقيقي.

تعتبر كوبا أن من المهم أن تكون هذه الأحداث معروفة، وأن يعرف الرأي العام هذه المساعي، التي يحاول رعاتها الإبقاء عليها سرية ويحاولون ألا يتم الكشف عنها حتى لحظة تنفيذها.

ولكن هذا الذي شاهدناه هو الجزء المرئي من مؤامرة يشارك فيها المزيد من الناس. هناك وزارات خارجية أمريكية لاتينية يتم فرض ذلك عليها كنقطة أولى ضمن جدول أعمال الاجتماع مع وزارة الخارجية الأمريكية، ونعرف أيضاً عن وزارات خارجية قيل لها ما هي الشروط، ومن بينها هذا، من أجل مجرد عقد اجتماع هناك في واشنطن. سوف نحارب هذه المناورة برباطة جأش ونتمتع بكل الحق، وبكل الطاقة الضرورية والسلطة المعنوية لفعل ذلك. نكتفي اليوم بالكشف عمّا نكشف بخطوط عامة، ولكننا مستعدين لتقديم كل تفاصيل المؤامرة المشينة للرأي العام الدولي في أي لحظة إذا لزم الأمر.

من هذه الخطة وهذه المساعي كان أن نشأت على نحو مبكّر –وجاء ذلك في لحظة غير ملائمة أبداً بالفعل بالنسبة للأرجنتين- هذه التصريحات وعلاقاتها الغريبة، وهذا التناول لموضوع كوبا يوم أمس وموضوع حقوق الإنسان في كوبا في اجتماع مدته نصف ساعة مع الوزير باول يفترض أنه عُقد من أجل بحث أكثر المسائل التي تهم الرأي العام الأرجنتيني، ولها علاقة بالخروج من الأزمة.

لا بد من القول بأن إقدام مجموعة من بلدان أمريكا اللاتينية بتقديم هذا القرار ضد كوبا في جنيف طالما كان حلماً راود مختلف حكومات الولايات المتحدة؛ لم تتمكن أبداً من فعل ذلك، ولكن الحلم راودها دائماً، لأنه يعطيها مزيداً من المصداقية، ويجعل هذه المناورة أكثر قابلية للتصديق. علينا القول بأنهم حاولوا فعل ذلك في العام الماضي بكل ما لديهم من قوة، ولاحظنا في هذه السنة أن الضغوط قد بدأت بقوّة أكبر بكثير وبموعد أبكر بكثير.

من واجبي أن أضيف تمعناً حول ما حدث يوم أمس في واشنطن، وحول تصريحات السيد مارتين ريدرادو، السكرتر المعني بالشؤون الاقتصادية في وزارة الخارجية الأرجنتينية، والذي كان يرافق وزير الخارجية روكاوف، ولعب دور متحدث باسم الوفد الأرجنتيني. كما ترون، ليس هذا بموظف يُعنى بمواضيع حقوق الإنسان ولا المواضيع السياسية، ما يُعنى به هي الشؤون الاقتصادية، ولكنه لعب دور متحدث، وعلمنا بتصريحاته من هنا.

عند سماعي لتصريحاته ورؤية المشاهد التي رأيناها شعرت بالأسف؛ شعرت بالأسف تجاه الأرجنتين، وتجاه شعبها، الذي نكن له كل ما نكن من حب واحترام؛ وهو الشعب الذي كنا على درجة عالية من التضامن معه وتلقينا منه تضامناً كبيراً. لقد بعث عندي الشفقة فعلاً أن أرى مشهداً مؤسف جداً كهذا الذي رأيناه، وقراءة تصريحات كالتي قرأناها.

لم أكن تصور بأنه ممكناً كل هذا الميل للتفاهة، وأقول ذلك بكل صراحة. ما كنت أعتقد ممكناً عدم وجود الحد الأدنى من الحس المشترك للمحافظة على شكل ما، على كيان عام ما. الحقيقة أنني لم أرَ أبداً جرعة بكل هذا الحجم من الافتقاد للجرأة، لأنه لا بد من التمتع بشيء من الجرأة، بشيء من الكرامة الذاتية لكي يلعب المرء دوراً يبلغ كل ما يبلغه من الدناءة والذل، كالدور الذي شاهدناه يوم أمس.

كنت أعتقد بأنه قد مرّ عليّ من كل شيء خلال السنوات الثلاث هذه من وجودي في وزارة العلاقات الخارجية، ولكنني شاهدت في الأمس أمراً جديداً بالنسبة لي، نموذجاً جديداً واستثنائياً في مجال قلة الجرأة، وقلة الشجاعة السياسية، وقلة الحس بالكرامة الوطنية. من شأن المرء أن يظنه أمراً مستحيلاً قيام ممثل بلد يتمتع بالتاريخ والتقاليد التي تتمتع بها الأرجنتين، بلعب الدور الذي لعبه هناك، والذي بعث عند الصحافة كل نوع من التعليقات الساخرة والناقدة.

لا بد من القول بأنه ربما يكون قد تم يوم أمس تسجيل رقم قياسي أولمبي في مجال قلة الحياء. ربما يحتاج الأمر لتسجيل ما سمعنا ممثل الخارجية الأرجنتينية يقوله يوم أمس كصفحة جديدة من سجل روح انجرار وزارة خارجية أمريكية لاتينية لغايات جارنا؛ لأن القول بأن وزارة الخارجية الأرجنتينية ستعمل لصالح حرية الشعب الكوبي، في الوقت الذي ينبغي عليها تركيز الجهود للعمل لصالح حرية الشعب الأرجنتيني، حرية ماله المسجون في "الكورّاليتو" الشهير؛ وسماعهم يقولون بأنهم سيتخذون موقفاً مشتركاً مع الولايات المتحدة للتعاون في الدفاع عن الحقوق الإنسانية للكوبيين، يبعث على الضحك لولا ما يبلغه من درجة مأساوية الوضع الذي تعيشه الأرجنتين، في بلد تسجّل فيه أخطر وأوسع انتهاكات للحقوق الأساسية للناس.

عليّ التذكير بتصريحات أدلى بها الرئيس دوهالدي نفسه، الذي عبّر في الرابع من كانون الثاني/يناير، بعد يومين من توليه الرئاسة:

"يجب تأمين الحقوق الإنسانية الأساسية في الأرجنتين –وهذا مأخوذ حرفياً من خطابه-، "البلد الذي يجري فيه الحديث كثيراً عن حقوق الإنسان عليه أن يضمن تلك التي هي أساسية: الحق بالصحة وبالغذاء. من الضروري التفكير بالحقوق الإنسانية لأولئك الذين لا يستطيعون الحصول على الأشياء الأساسية، وبالطبع، ضمان السلام الاجتماعي أيضاً، لأن أي خطوة نحو الأسفل من شأنها أن تؤدي بنا إلى حمّام من الدم".

إنها كلمات قالها الرئيس دوهالدي في اللحظة التي استهلّ بها وتولّى مسؤولية بالغة التعقيد وبالغة التحديات، كالمسؤولية التي تولاها هو. إنه اعتراف بأن هذه الحقوق غير مؤمنة اليوم في الأرجنتين؛ البلد الذي شاهدنا فيه أعمال قمع بوليسية، وشاهدنا مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً في الشوارع، وحيث شاهدنا الناس يموتون جوعاً ومرضاً، في بلد يتمتع بالثروة التي تتمتع بها الأرجنتين، إنما يعطي ذلك فكرة واضحة عن قلة السلطة المعنوية من أجل الحكم على كوبا.

إن ما سمعناه من تصريحات لوزارة الخارجية الأرجنتينية والموقف المتخذ من قبلها يوم أمس يملآنا بالدهشة؛ لأننا نظن بأن الأرجنتين هي البلد الأقل كفاءة في العالم اليوم للانشغال بالحقوق الإنسانية لأحد غير مواطنيه، الذين يعيشون في وضع من الاحتضار واليأس، ما لم تشهده هذه القارة خلال السنوات الخمسين الأخيرة.

إن الحديث عن حقوق الإنسان في كوبا، البلد الذي يتمتع بمؤشرات من الرفاهية الاجتماعية اليوم، رغم كونه بلداً محاصراً وبلداً فقيراً من بلدان العالم الثالث، تفوق بكثير ما تتمتع به الأرجنتين، في لحظة كان فيها المعلمون الأرجنتينيون، صباح هذا اليوم، يسيرون في مظاهرة عامة للمطالبة بدفع أجورهم المتأخرة منذ أربعة أشهر وتعمل فيها كوبا بشكل متسارع من أجل الوصول إلى عشرين طالب لغرفة الصف الواحدة في المدارس الابتدائية هو أمر يلفت ناظر المرء سليم العقل. إن بلداً ككوبا، يقوم في هذه اللحظات بإنجاز مشروع اجتماعي للوصول إلى الثقافة والارتقاء بآليات عنايته الاجتماعية بمواطنيه لم يسبق لها مثيل، يخضع لحكم بلد يجري فيه السطو على الأسواق التجارية من أجل التمكن من تغذية الأبناء هو أمر يتجاوز في الحقيقة ما يمكننا اعتباره أمراً ممكناً في مجال المناورات ضد كوبا.

غير أنني لا أعتقد بأن الرأي الذي عبّر عنه المتحدثون باسم وزارة الخارجية الأرجنتينية يعبر عن موقف من حجر واحد، ولا أنه تشاطرهم اياه قطاعات أخرى في الأرجنتين وشخصيات سياسية أخرى؛ لأنه يجب التذكير هنا، على سبيل المثال، بأن السيناتور إدواردو منعم، وهو شخصية من حزب العدالة، وهو في الحكومة الأرجنتينية في هذه اللحظة، اقترح قراراً على مجلس الشيوخ الأرجنتيني تم إقراره بالإجماع قبل أيام قليلة فقط، يدعو الحكومة إلى إعادة السفير الأرجنتيني إلى هافانا بأقرب وقت ممكن، والذي كان قد تم سحبه في العام الماضي على أثر ما كشفت عنه كوبا، فقام نزاع دبلوماسي بين البلدين، وذلك بسبب كشف كوبا عن مشاركة الأرجنتين في مناورة مشابهة في مثل هذا الشهر، أي قبل عام واحد بالضبط.

نحن نعرف، على سبيل المثال، السيدة هيلدا غونزاليز دي دوهالدي، وزيرة التنمية الاجتماعية في الحكومة الحالية، والتي زارت كوبا، ونعرفها شخصياً، ونقدّر اهتمامها بالمسائل الاجتماعية، وبتطوير عمل من هذا النوع في بوينوس أيريس، ونعلم بأنها قد أبدت اهتماماً كبيراً بمعرفة ما يحدث في البلاد؛ أو وزيرة التربية، السيدة غراسييلا جيانيتاسيو، التي قامت بزيارة لكوبا ونعلم بأنها على دراية بالإنجاز التعليمي لكوبا؛ ووزراء وقطاعات أخرى مشاركة في الجهاز الحكومي، من القطاعات الاجتماعية ومن القوى السياسية التي تطالب اليوم، حقيقة، بموقف مختلف للأرجنتين. أي أننا نشهد هنا مظاهرة أولى.

كانت كوبا وما تزال بلداً تضامنياً مع الأرجنتين. وقد أصدرت حكومتنا بياناً علنياً ضد الضغوط التي جرت ممارستها على الحكومة الأرجنتينية الحالية خلال الأيام الأولى من ولايتها، ودعت فيه إلى التضامن والتفهم الدولي. وكان بلدنا وما يزال تضامنياً، فتحرك حتى أمام المجموعة الأيبيرية الأمريكية مطالباً بالتضامن مع الشعب الأرجنتيني وسلطاته في البحث عن حل؛ وفجأة رأينا أنفسنا يوم أمس أمام اجتماع مدته نصف ساعة مع وزير الخارجية باول كان سيتم فيه الحديث عن موضوع الأرجنتين، وكان –حسبما قيل سابقاً- سيجري فيه "تمهيد" الطريق "لهبوط" وزير الاقتصاد الأرجنتيني لاحقاً، وفجأة، جاء أن الموضوع الكبير الآخر الذي تم بحثه هو انتهاكات حقوق الإنسان في كوبا وضرورة إنقاذ الشعب الكوبي، ما يبدو لي بأن أقل وصف يمكن إعطائه له هو أنه دعابة لا ذوق فيها.

راندي ألونسو: الانطباع الذي يتولد عندي هو أنه ما دمنا كنا نقول حتى اليوم بأن هذه الممارسة الأمريكية ضد كوبا في لجنة حقوق الإنسان قد أخذت تتجه إلى الحضيض، فإن التفكير بأنه يمكن لبلدان هذه المنطقة أن تحمل المواقف الأمريكية إلى الأمم المتحدة، وبشكل خاص إلى لجنة حقوق الإنسان، وهي المنطقة التي تعاني أكبر الفوارق في توزيع الثروة في العالم، وهذا لمجرد تقديم عنصر، وبالإضافة إلى ذلك فيها الكثير مما يمكن التحدث عنه من انتهاكات لحقوق الإنسان على مدى العقود الأربعة من وجود ثورتنا؛ فإذا كانت هذه الممارسة آخذة بالاتجاه على نحو متزايد نحو الحضيض، أظن بأنها ستسقط في الحضيض كلياً إذا ما أعارت بلدان أمريكية لاتينية معينة نفسها للدخول في لعبة الولايات المتحدة في تلك اللجنة.

كنتم تطرحون توقعاتكم حول سبب الصداع الذي منع الوزير من المداخلة العلنية أمام الصحافة، أتساءل إن كان ذلك تأنيب داخلي للضمير أيضاً بعد ذلك الاجتماع الذي تم فيه بحث موضوع كوبا؛ ولكن من واجبي القول في الحقيقة أنه عندما يتعرف المرء على الوضع الاجتماعي الذي تعيشه بوينوس أيريس اليوم، وهي منطقة من الأرجنتين غنية جداً، لا يمكنه أن يتصور في الواقع أن يقوم أحد المسؤولين حتى ما قبل أيام قليلة عن وجود ذلك الوضع هناك، بدور رئيسي في مغامرة لإنقاذ الشعب الكوبي، الذي يتمتع بكل القوة والأخلاق والموارد اللازمة لإنقاذ نفسه بنفسه، والذي لا يحتاج لمنقِذين من الخارج، لأنه يقوم بمشروع من أجل حقوقه، وبشكل خاص من أجل سيادته واستقلاله، يبعث إعجاب العالم.

راندي ألونسو: شكراً، معالي الوزير.

لازارو بارّيدو: ما يحصل يا راندي هو أن هذا العالم السياسي "متنكر بزي التغير"؛ إنها الحقيقة، لأنه من "الديمقراطي" استباحة الناس، وقتل الناس، وقمع إضرابات المعلمين، على غرار ما يحدث في بعض البلدان التي تقول بأنها سويسرا القارة الأمريكية أو أمريكا الوسطى، أو يتكلمون باستمرار عن نشاطهم السياسي، والحقيقة أن المرء يشاهد الطريقة بالغة الفظاظة التي تقوم بها قوات الشرطة بالتصرف فوق القانون، بما يقضي على أي إمكانية للشكوى أمام أزمة اجتماعية خانقة تزداد حدة يوماً بعد يوم في الواقع، ويغرق في الفقر يوماً بعد يوم أيضاً مئات الآلاف من الأمريكيين اللاتينيين، وهذا يلفت انتباه المرء بقوة…

راندي ألونسو: بل وأنه في حال الأرجنتين ذكرنا في إحدى الطاولات المستديرة بأن أكثر من ألفي شخص تقريباً ينزلون يومياً ضمن قائمة فقراء ذلك البلد.

راندي ألونسو: لا، إنه 8260، إنه آخر إحصاء قرأته؛ وهناك نحو 15 مليون شخص هم دون مستوى الفقر، أكثر من ثلث عدد السكان في ذلك البلد.

إن الأرجنتين هي أفضل مثال. لقد أصبح الآن "ديمقراطياً" كل ما فعلته قوات الشرطة وتسبب بمقتل 35 شخصاً واعتقال المئات، وجرح عدد كبير. إنه "ديمقراطي" ما يحدث في هذا البلد الذي تقول "لجنة التنسيق ضد القمع البوليسي والمؤسساتي" الأرجنتينية بأنه منذ عام 1983 يموت فيه عشرة أشخاص يومياً على أيدي قوات الأمن في محاكمات غير قضائية.

يتم الآن الكشف في العديد من الأوساط عن وجود كتائب موت، وأنها موجود طي السرية التامة، كما هي موجودة أيضاً في بلدان أخرى من أمريكا اللاتينية، بعضها ضمن هذه الحملة المعادية لكوبا؛ وهي كتائب موت تقوم بعمليات تطهير اجتماعي، عبر الإعدام المنهجي لفتيان على خلاف فعلي أو مزعوم مع النظام السياسي السائد. أو الذين يتكلمون عن حقوق الإنسان ويفعلون كالأرجنتين التي يوجد لديها أكثر من 15 ألف شخص في السجون دون محاكمة قضائية في الوقت الملائم. أهذه إنسانية؟

يتساءل المرء حينها، حسناً، بأي أخلاقية يمكن الحديث عن حقوق الإنسان ما دام الإحصاءات تشير إلى أن الجوع والبؤس والبطالة والأمية تزداد يوماً بعد يوم، وتقل الإمكانيات المتاحة للأطفال لإنجاز المرحلة الابتدائية من تعليمهم؛ والناس يتمتعون بقدر أقل يوماً بعد يوم بالحق بالحياة. عن أي حقوق إنسانية نتكلم نحن؟ بل، وعن أي حق بالتصويت ما دمت لا أستطيع أن أقرر؟ أي أمي يستطيع أن يقرر صوتاً ما دام لا يعرف لصالح من سيصوّت، ما دام لا يستطيع أن يقرأ ولا حتى السيرة الذاتية للمرشح الذي يقدمه له حزب معين؟ هل هذا ديمقراطية؟ هل هذا حقوق إنسان؟

هذه هي المشكلة المؤلمة التي تعيشها قارتنا اليوم، بدون إمكانيات للحل، لأن ما يعاني الأزمة هو النظام.

راندي ألونسو: ديماس، أردت أن تضيف عناصر أخرى.

إدواردو ديماس: مجرد أنني تذكرت معلومة طالما صدمتني، وهي المتعلقة بالتعليم في الأرجنتين، البلد الذي كان أحد البلدان الأرفع ثقافة في أمريكا اللاتينية.

54 بالمائة من أطفال الأرجنتين لم ينجزوا المرحلة الابتدائية من التعليم، ومن الذين يتمكنون من اجتيازها لا يتمكن ثمانية من بين كل عشرة منهم من إنجاز المرحلة المتوسطة، إنما يجري دفن المستقبل. أي أنها طريقة لرهن المستقبل، مستقبل يحتاج لمعارف علمية وتنمية. أهذا هو ما يريدون تطبيقه علينا هنا؟؛ هذه الطريقة في ألا يُنجز 54 بالمائة من أطفالنا المرحلة الابتدائية، على سبيل المثال؟

راندي ألونسو: إن لهذا علاقة كبيرة أيضاً بنوع الدفاع عن حقوق الإنسان الذي قامت به وزارة الخارجية الأرجنتينية عبر ممارستها في لجنة حقوق الإنسان.

لا أعرف، يا خوان أنتونيو، إذا كان لدينا عناصر عن هذا أيضاً، يكون مفيداً في هذا الحال شرحه على طاولتنا المستديرة.

خوان أ. فيرنانديز: نعم، في الحقيقة أن المعطيات، التقارير التي توردها الوكالات الدولية وهيئات حقوق الإنسان، سواء كانت المنظمات غير الحكومية أم الأمم المتحدة نفسها، هي تقارير فاضحة بالفعل فيما يتعلق بالرقم القياسي لحقوق الإنسان لدى الأرجنتين.

كان لازارو يتحدث قبل قليل عن وضع الفقر الشديد في البلاد، وعن تجاهل الحقوق الأساسية، الحق بالحياة، الحق بالغذاء. تذكرت أيضاً بعض المعلومات التي كنت جلبتها؛ لن يكون بالإمكان ذكرها جميعاً، لأنه الكثير.

عندما يتم الحديث في بعض الأماكن عن "الأغنياء الجدد" في هذا العالم النيوليبرالي، فإن نقطة النظام في الأرجنتين هم "الفقراء الجدد"، ففي كل يوم يزداد الفقراء عدداً في هذا البلد. الأرقام الرسمية نفسها تتحدث عن 14 مليوناً منهم. من هؤلاء، يوجد في العاصمة، من حيث أتى السيد وزير الخارجية –كان حاكماً في ولاية بوينوس أيريس- 4.5 مليون معوز. هذه هي حقوق الإنسان في الأرجنتين.

والآن، إذا التفتنا إلى الإحصاء الذي أجرته الأمم المتحدة نجد أرقام تقشعرّ لها الأبدان فعلاً. فعلى سبيل المثال، مجموعة عمل لجنة حقوق الإنسان عن حالات المفقودين، والتي قامت بإجراءات 3455 فقط خلال كل عقد الثمانينات، السبعينات، حتى الآن، من بين الأكثر من 30 ألفاً الذين بُلّغ عنهم خلال مرحلة الدكتاتوريات العسكرية الدموية، ما زالت تسجّل أنه كمحصلة لعدم العقاب، وهي الكلمة الفصل في البلاد، يوجد أكثر من 3377 حالة بدون توضيح، والمجموعة مسؤولة عمّا تقول. الحكومة ترفض التعاون، وأوقفت المحاكمات لكي تحقق بحقيقة ما جرى هناك.

يشغل مناصب عامة هناك المسؤولون عن أشنع انتهاكات لحقوق الإنسان عرفتها القارة. وما دمنا في الحديث عن المفقودين، وهي كلمة لم تكن تُعرف في قاموس حقوق الإنسان، وإنما هي من اختراع هذا الجزء من القارة والأرجنتين ودكتاتوريات المخروط الجنوبي: الإمساك بأحد ما وإخفاؤه من الوجود. كان يُعرف بأن هناك أعمال تعذيب وإعدام بدون محاكمة؛ بينما إخفاء أحد ما من الوجود إنما هو فعل تم اختراعه في هذا الجزء من القارة وهناك في الأسفل في المخروط الجنوبي. حسناً، ما زالوا بدون عقاب حتى الآن. إننا نشاهد الأمهات، والجدات في ساحة مايو يطالبن بالعدالة لصالح أبنائهن وأحفادهن.

إذا توجهت لرؤية مقياس تصويت الأرجنتين في لجنة حقوق الإنسان، يا راندي، تجد بأنها أسطع مثال على الازدواجية الأخلاقية والدناءة اللتين تحضران وزارة الخارجية تلك وأولئكالبيروقراطيين الذين يأخذون بإطلاق تعليقات سيئة الطالع هناك في العاصمة الأخرى.

لدي هنا بعض المعطيات أعتقد أنه من المفيد إطلاعكم عليها. على سبيل المثال، قرار في لجنة حقوق الإنسان عن نتائج سياسات التكيف البنيوي والديون الخارجية بالنسبة للممارسة الكاملة لحقوق الإنسان، وخاصة منها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يقول هذا القرار بين أمور أخرى أنه: ".. وعياً للمشكلة الخطيرة الناجمة عن عبء الديون، ما تزال تشكل أحد أهم العوامل التي تؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى حياة مواطني بلدان كثيرة وأنها تجلب عواقب خطيرة ذات طابع اجتماعي"؛ أي أنه يشرح جميع محصلات سياسات التكيف والديون.

حسناً، الأرجنتين امتنعت عن التصويت، وهو قرار تمت الموافقة عليه في اللجنة بأغلبية 32 صوتاً، والأرجنتين امتنعت عن التصويت.

سوف نرى لاحقاً ما هو عليه الوضع الاقتصادي لهذا البلد ومشكلات الديون التي يعانيها.

ربما ولا أناسه يعرفون، هؤلاء الذين نراهم في الشارع، أبناء الشعب الذين نصادفهم في الطريق، ربما لا يعرفون هذه الأمور، بأن خارجيتهم، هؤلاء البيروقراطيين، يذهبون إلى جنيف من أجل الامتناع عن التصويت؛ لا، لا، فهم لا يريدون فتح معركة مع هيئات التمويل الدولية.

هذه المعلومة تلفت الانتباه.

تلتفت إلى قضية فلسطين، ذات الشيء، امتناع عن التصويت؛ أحد أخطر الانتهاكات التي يتم ارتكابها في هذا الجزء من العالم، ولا يهمهم. قرارات أخرى، الحق بنظام عالمي ديمقراطي وعادل، وهو مطلب دائم للعالم الثالث، للبلدان النامية، يمتنعون عن التصويت. انظروا لهذه الطرافة.

وكما لو أنها لا تكتفي بذلك، ينظر المرء إلى الأرقام القياسية من التصويت في سلسلة طويلة من القرارات ضد بلدان يتم تقديمها هناك في لجنة حقوق الإنسان، والأرجنتين لا تصوت لصالح تلك القرارات، إنما هي تمتنع عن التصويت، ولكن للامتناع قراءة أخرى. المسألة هي أن هذه الدبلوماسية ليست دبلوماسية مبادئ، إنها دبلوماسية الدولار، فهي تمتنع عن التصويت تجاه أولئك الذين تبيعهم، أو أولئك الذين ما زال بإمكانها أن تبيعهم لحوماً أو الذين لها تجارة معهم؛ وهنا لا توجد فلسفة، لا توجد مبادئ، فليس هناك من خلقية في التحرك عند وزارة الخارجية وتوجهها الدولي؛ فتمتنع عن التصويت بكل بساطة.

ولكن بالنسبة لكوبا إنما هم نعم يشعرون بالقلق. وكما قال الوزير، في الحقيقة، لو لم تكن المسألة تبلغ ما تبلغه من أهمية لبعثت على الضحك على أقل تقدير.

أعتقد أنني بذلك أنقل صورة عن بعض المعطيات، ومن المؤكد بأن رفاقاً آخرين يمكنهم أن يعرضوا المزيد.

راندي ألونسو: فيليبي، هل أردتم أن تقولوا شيئاً؟

فيليبي بيريز: باختصار، إضافة شيء، راندي، وهو أن البلد الوحيد في أمريكا اللاتينية الذي يتم حمل انتهاكه المزعوم لحقوق الإنسان إلى جنيف هو كوبا؛ فلا يتم عرض وضع أي بلد آخر من أمريكا اللاتينية هناك من أجل التعبير عن قلق، من أجل إدانة انتهاكات لحقوق الإنسان.

والآن، فيما يلي تصريحات للسيد سنتياغو كانتون، وهو أرجنتيني، المدير التنفيذي للجنة الأمريكية القارية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الدول الأمريكية، إنه موظف في منظمة الدول الأمريكية يفهم بموضوع حقوق الإنسان في المنطقة.

والآن، تقرير وزارة الخارجية الأمريكية –تصدر وزارة الخارجية تقريراً سنوياً، كما تعرفون، تتحدث فيه عن حقوق الإنسان في حوالي 170 بلداً، باستثناء الولايات المتحدة- الصادر في 23 شباط/فبراير 2001، ذكر بأنه كان قد حدث في الأرجنتين خلال السنة بين 20 و30 عملية قتل بدون محاكمة وأنه خلال السنوات الأربع الأخيرة قُتل في دوائر الشرطة 59 شخصاً في ظروف غامضة في الأرجنتين. غير أنه لا يوجد أبداً قرار واحد ضد الأرجنتين في جنيف، ولم يوجد قرار واحد ضد الأرجنتين للمعاقبة على انتهاكات كالتي شاهدناها هذه الأيام، أو من أجل طلب الكف عن الصمت وعدم المعاقبة وأن يتم توضيح الوضع، كما تطالب أمهات ساحة مايو.

هل لاحظ أحد اهتماماً بإدانة وضع حقوق الإنسان في قارة يموت فيها عشرون صحافياً في السنة عن طريق القتل المتعمد بسبب كشفهم النقاب عن أعمال فساد ورشوة وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان؟

هل بوسع أحد أن يقول أن أحد المتعرضين للتعذيب، والذين يتم توثيق حالاتهم أمام لجنة حقوق الإنسان في جنيف، هو كوبي؟ ليس هناك واحداً بينهم، لم يتم تقديم ذلك أبداً، لأنه ليس هناك من يتعرض للتعذيب في كوبا؟

هل أمكن عرض حالة قتيل في كوبا لم تظهر جثته؟ فليس هناك من قتل غير قضائي في كوبا.

هل أمكن عرض حالة أم تطالب بمعرفة مصير ابنها الذي جاؤوا لأخذه فجراً، وحملوه في شاحنة صغيرة بدون لوحة ولم يظهر له أثر؟ لا يوجد في كوبا حالة واحدة، لا وجود لها، لم يمكن تقديمها.

هل أمكن تقديم أدلة على وجود كتائب موت في كوبا تقتل أطفالاً في الشوارع من أجل القيام بأعمال تطهير؟ ليست موجودة.

يقال عن الأرجنتين بأنه قُتل سبعون طفلاً في بوينوس أيريس في سنة واحدة وأن أفراد الشرطة يتصرفون بدون عقاب، وأن الحاكم آنذاك، وهو اليوم وزير الخارجية، قد دافع عن تصرف رجال الشرطة. حالة الأرجنتين لم يتم رفعها إلى جنيف.

أمريكا اللاتينية هي قارة يعيش نصف مواطنيها تحت مستويات الفقر، وحيث مؤشرات الوفيات بين الأطفال في بلدان كثيرة هي اثني عشر أو خمسة عشر أو عشرين ضعف ما هي عليه في كوبا. إذن، كوبا هي البلد الذي يحملونه إلى جنيف من أجل إدانته والذي يتم في واشنطن التعبير عن القلق إزائه، بلد خفّض نسبة الوفيات بين أطفاله إلى ستة بين كل ألف مولود حي. لو أن أمريكا اللاتينية خفضت مستويات الوفيات بين أطفالها إلى ما هي عليه المستويات في كوبا، كم مليوناً من الأطفال الأموات كانوا أحياء اليوم في أمريكا اللاتينية؟

إذن، إنما هو مقياس مزدوج الأخلاقية، إنما هناك تلاعب بالموضوع ضد كوبا، وهو ما نعترض عليه ونكشف النقاب عنه نحن.

راندي ألونسو: شكراً جزيلاً، معالي الوزير.

تركزت المطالب في جميع الحالات تقريباً على توفير فرص عمل، ومعونات رسمية للعاطلين، ودفع رواتب متأخرة وتقديم مساعدة غذائية، حسبما ذكرت وكالات أنباء محلية.

لقد عكست وسائل الاتصال الكبرى في العالم الوضع الأرجنتيني في هذه الأيام، والمشاهد التالية بثها التلفزيون الإسباني للأحداث خلال أيام 21 و22 و25 كانون الثاني/يناير من العام الجاري.

صحافي: لقد نكث الرئيس الأرجنتيني إدواردو دوهالدي بأول وعد له. سيتوجب عليه أن يحوّل جميع الإيداعات إلى بيسو، ما سيترتب عليه خسارة في قيمة الأموال الموجودة في المصارف.

إن تحويل الإيداعات إلى بيسو يستجيب لمطلب من القطاع المالي؛ ولكن الحكومة تواجه ضغطاً أيضاً من جانب صندوق النقد الدولي الذي يطلب منها تعويماً للعملة ورقابة على الموازنة. وقد تعهدت هذه الهيئة بمنحها مساعدة مقابل خطة ثابتة واكيدة. فصندوق النقد الدولي يشترط موازنة متقشفة لنفقات العام الحالي. وسيكون على بوينوس أيريس أن تبلور برنامجاً اقتصادياً من أجل تقديمة لصندوق النقد الدولي في نهايات الشهر الحالي.

في غضون ذلك، يضغط الوضع الاقتصادي على المواطنين من أجل الهرب من البلاد.

ميريام فييغا: الشروع ببيع ما كلفك غالياً اقتناؤه؛ ولكن، من جهة أخرى، تتساءل، أكثر من كونه بيعاً، إنما أنا أقدمه هدية، ومهما قدمت من هدايا، ماذا عساني أن أفعل لأجد ذلك المال الذي خسرت.

صحافي: يجب أن يُضاف إلى أزمة النظام المالي ارتفاع الأسعار. فخلال النصف الأول من كانون الثاني/يناير ارتفع التضخم بنسبة 2 بالمائة، والوضع بالنسبة لكثيرين هو الأسوأ خلال السنوات الأخيرة.

ريكاردو فييغا: لأن والدي أتى إلى هنا بالتعيين، وأخذت أوضاعه تتحسن، ووضعي أنا تحسن بعض الشيء، ولكنه ازداد سوءاً أكثر مما ازداد تحسناً.

صحافي: عاشت الأرجنتين خلال الساعات الأخيرة هدوءاً متوتراً وانخفض عدد المظاهرات، مع أن الدعوة ما تزال قائمة لعدة مظاهرات في كل أنحاء البلاد.

بدأ الأسبوع الثالث من وجود إدواردو دوهالدي على رأس الحكومة الأرجنتينية باضطرابات عنيفة في نقاط عدة من البلاد، واستياء المواطنين لا يهدأ، بالرغم من الإجراءات الاقتصادية الأولى التي وضعتها الحكومة حيز التنفيذ.

أخطر الحوادث وقعت في ريسيستينسيا، شمال البلاد، حيث قامت مواجهة بين مجموعات من العاطلين عن العمل وبين قوات الشرطة، التي استخدمت عيارات مطاطية وقنابل مسيلة للدموع من أجل تفريقهم.

في كوردوبا، اضطرت الشرطة للتحرك من أجل الفصل بين مجموعة من سائقي التاكسي تعاركوا فيما بينهم بسبب اختلافاتهم على التسعيرة.

المظاهرات ضد المصارف تكررت في العاصمة، حيث طالب مئات الأشخاص بالفتح الكامل لل‍ "كورّاليتو"، الذي يمنع الأرجنتينيين من سحب أكثر من ألف دولار شهرياً. وهم يعترضون أيضاً على أن يتم تحويل ما لديهم من دين على المصارف إلى بيسو.

من ناحية أخرى، تستعد الاتحادات النقابية الأرجنتينية الرئيسية للقيام بمسيرة مشتركة يوم الأحد باتجاه ساحة مايو، في بوينوس أيريس.

الحكومة الأرجنتينية قررت أن تكون مرنة في سياسة "إل‍ كورّاليتو"، في بعض الحالات القصوى فقط. وسيستفيد من هذا الإجراء مسنون تزيد أعمارهم عن الخمس وسبعين سنة ومرضى.

ويوم أمس عاد آلاف الأشخاص للضرب على الطناجر في بوينوس أيريس للمطالبة باستقالة أعضاء مجلس القضاء الأعلى وتُوجَّه إلى القضاة تهمة السكوت عن الفساد من جانب الطبقة السياسية والسلطة المالية.

واحتشد متظاهرون آخرون أمام المكاتب المصرفية، بل وفي داخلها. هذه العائلة، على سبيل المثال، قررت أن تقضي إجازتها في واحد من هذه المكاتب.

مواطن: هذا المصرف لا يسمح لي بأن أتوجه إلى أي مكان لقضاء إجازتي وهذا هو المكان الذي سأقضيها فيه.

صحافي: بالضرب على الطناجر يعبّر الأرجنتينيون عن شجبهم للتخلف في دفع الرواتب للموظفين وتوقف الخدمات الاجتماعية والقيود المصرفية.

مواطن: المصارف والسياسيون والحكومات نصبوا علينا فيما بينهم منذ عام 1983 وحتى الآن.

صحافي: تتبع الاحتجاجات التلقائية تقريباً إقامة شبكات مقاومة سعياً للتحول إلى بديلة عن الأحزاب والنقابات التقليدية، وتحولت شبكة إنترنيت إلى الأداة المفضلة للتنسيق لها، ومن هذه الشبكة تمت دعوة إلى مظاهرة الضرب على الطناجر لعصر هذا اليوم.

راندي ألونسو: حسناً، ما الذي كان من واجب وزارة الخارجية ووزيرها أن يشغلا نفسيهما به؟ بهذه المشاهد التي رأيناها وبالأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي أطلب من الرفيق فرانسيسكو سوبيرون، رئيس مصرفنا المركزي الكوبي، أن يطلعنا على الوضع المحزن جداً الذي يعيشه الشعب الأرجنتيني في يومنا هذا.

فرانسيسكو سوبيرون: الحقيقة أن أول ما علينا قوله هو أن انهيار النموذج النيوليبرالي في الأرجنتين ليس هذا فقط، ليس مجرد انهيار مرئي ولا يمكن إخفاءه لهذا النماذج الذي أكثرت البلدان الغنية وصندوق النقد الدولي من الدفاع عنه؛ فيمكن تصنيفه أيضاً بأنه أكبر اختلاس في هذا القرن، أكبر عملية نهب.

والآن، وأنا أمعن التفكير حول هذا، قلت لنفسي: حسناً، إنها ليست عملية اختلاس كبرى فحسب، أظن بأنها عمل سحري أيضاً. طالما رأيت السحرة يخفون حمائم، أرانب؛ لكن لم يسبق أبداً أن رأيت ساحراً قادراً على إخفاء 85 ألف مليون دولار، بطريقة أو بأخرى. مما لا شك فيه، أن بإمكانهم التنافس أيضاً على القيام بأكبر عمل سحري.

من جهة أخرى، رأينا أرجنتينياً يقول، ومعه الكثير من الحق: "كيف يمكننا أن نواجه هذا الوضع، ونحن أصحاب بلد صاحب ثروة كالتي عندنا؟" وأنا بودّي أن أقدّم بعض المعطيات المقتضبة عن مدى ثراء الأرجنتين. أي بلد هو هذا الذي قام صندوق النقد الدولي وأصوليو السوق بتذريته؟ إنه بلد يتمتع بمليونين و 766 ألف كيلومتر مربع من المساحة، الثامن في العالم، -ولكي يأخذ شعبنا فكرة- إنه أكبر من بلدنا حجماً بخمس وعشرين مرة، وعدد سكانه 37 مليون نسمة، ما يقارب 3.3 أضعاف ما عليه عدد سكان كوبا تقريباً. أي أن نصيب كل مواطن، من الناحية الثروة، هو ما فوق العادي.

ما بين حبوب وزيتيات كالصويا، ذات النسبة العالية من البروتين، تنتج الأرجنتين 66 مليون طن. إذا ما أجرينا حساباً سريعاً، نجد بأن هذا الشعب الذي يقول: "أنا جائع"، ينتج غذاء من هذه الحبوب والصويا ما يكفي لإعطاء 10.7 أرطال (ليبرا) لكل أرجنتيني –أكرر، أكثر من عشرة أرطال يومياً. لديها 48 مليون رأساً من ماشية الأبقار، 1.3 مقابل كل فرد.

لديها خمسة آلاف كيلومتر من السواحل الغنية بمختلف أنواع الأسماك، وتصطاد 850 طناً من الأسماك؛ موارد نهرية من كل نوع، مدخرات كبيرة من ناحية وسائل النقل، لأن لديها أنهاراً تصلح للملاحة؛ النفط: تنتج 75 مليون طن سنوياً. ولكن، ليس هذا فحسب، فلديها احتياطات مؤكدة يبلغ حجمها 1400 مليوناً من النفط المكافئ. ماذا يعني ذلك؟ حسناً، 186 سنة من الاستهلاك بالنسبة لكوبا -لكي يُفهم حجم الاحتياط الذي نتحدث عنه؛ وبالإضافة لذلك تتمتع بعامل كبير يصب في مصلحتها، وهو أنه نظراً لوجود الأنهار التي تكلمنا عنها، يتم إنتاج 40 بالمائة من الطاقة بواسطة محطات كهرومائية، فلا حتى هم يحتاجون لاستخدام تلك الموارد النفطية؛ بالإضافة إليها، يتمتعون بإمكانيات كبيرة لإنتاج كهرباء بواسطة المحطات الكهرومائية.

والآن،، إلامَ حوّلوا كل هذه الثروات، سوف نسمي صندوق النقد الدولي مع أتباعه من الحكومات الأرجنتينية السابقة علماء كيمياء –فهي ممارسة لعلم الكيمياء تقريباً؟

أعتقد أن لا شيء أبلغ للتعبير عن هذا الوضع من فقرات صغيرة وردت في الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه الرئيس دوهالدي عند توليه زمام منصبه.

يقول الرئيس دوهالدي، وأنقل ذلك حرفياً:

كمحصلة للتراجع الاقتصادي، وصل انخفاض دخلنا مقابل الفرد إلى نسبة 12 بالمائة. وارتفعت البطالة أيضاً لتتجاوز كل الأرقام التي سجلتها البلاد في تاريخها"، والإحصاءات ناقصة جداً، فرسمياً يقال بأن النسبة تبلغ 18 بالمائة، ولكن الحديث يجري عن أكثر من 30 بالمائة من البطالة، هذا عدا العمالة غير الكاملة والوظائف غير الرسمية، الخ، "ووصل مؤشر الفقر ليشمل 40 بالمائة من المواطنين؛ وهذا يعني –والقول لدوهالدي- "أن ما لا يقل عن 15 مليون أخٍ لنا يعيشون دون خط الفقر"، وأنا أضيف، في هذا البلد الغني جداً.

"خلال عام 2001 انخفضت احتياطات المصرف المركزي لجمهورية الأرجنتين 18 ألف مليون دولاراً، وفر 24 بالمائة من إيداعات النظام المالي كمحصلة لأزمة الثقة، وغير هذه من الأسباب".

وواصل دوهالدي قوله: "ليست اللحظة لحظة تحميل مسؤولية، إنها لحظة قول الحقيقة. إن الأرجنتين منهارة. الأرجنتين منطفئة. إن هذا النموذج قضى باحتضاره على كل شيء. جوهر هذا النموذج نفسه انتهى إلى القابلية للتحويل، وألقى بمليونين من أبناء وطننا إلى الفقر، ودمر الطبقة المتوسطة الأرجنتينية، وأفلس صناعاتنا، وسحق عمل الأرجنتينيين. إن الإنتاج والتجارة هما اليوم متوقفان، كما تعرفون؛ شبكة الدفع معطلة وليس هناك أموالاً متداولة قادرة على تسيير الاقتصاد".

وأثناء قراءتي لهذا كنت أفكر أيضاً أنه، إضافة لكل تلك الثروات التي ذكرناها، تتمتع الأرجنتين كذلك بثروة أكبر منها كلها، ألا وهي شعبها الذكي، العامل، الكفؤ، الذي نكن له نحن الكوبيون كل ما نكن من حب وقدم هو لنا كل ما قدّم من تضامن ونحن له أيضاً.

الآن، من شأنه أن يطول الوقت في شرح الكيفية التي أغرقوا الأرجنتين بها، أي، أن فعل بهذا الحجم ليس بالإمكان شرحه بدقائق معدودة وإنما، في سبيل إعطاء فكرة، من شأننا أن نشير إلى خمسة جوانب، وجمعها لها علاقة بالأصولية التي يفرضها صندوق النقد الدولي، والتي بنفس الانحناء والجثو اللذين تم شرحهما هنا من وجهة النظر السياسية، تتم ممارستهما أيضاً من وجهة النظر الاقتصادية، يبدو أنه من أجل التدرب يتم القيام بهما بنفس الطريقة.

1. الليبرالية المطلقة لتدفق رؤوس الأموال طبعاً. لا يهم مدى قوة أو ضعف النظام المصرفي، إذا كان هناك إشراف جيد، لا يهم إن كان البلد يتمتع باحتياطات أم لا: "لا يا سيد، عليك أن تحرر تدفق رؤوس أموالك، والسماح للكتل النقدية -تلك التي تحدثنا عنها في مناسبات أخرى، مئات وآلاف الملايين-، أن تدخل وتخرج كما يحلو لها، فإذا أرادت أن تدخل اليوم تدخل اليوم وإذا أرادت أن تخرج غداً تخرج غداً، إذا كان ذلك يُغرق بلدكم فهذه مشكلتكم. أنت تريد المساعدة، حّرر إذن تدفق الرأسمال كلياً".
2. عمليات خصخصة عشوائية، متعجلة. بل وأنني كنت قد لاحظت وقلت: جنون من عمليات الخصخصة، لأن ذلك تجاوز كل الحدود المعقولة. وليس أننا نقول طبعاً بأنه إعطاء صورة شيطانية كلياً عن الاستثمارات الأجنبية، لا. إننا نقول بأنه لا يمكن بيع بلد ما. يمكن للمرء أن يستكمل تطور بلد ما، ونحن فعلنا ذلك، بمستوى معين من وصول الاستثمار الأجنبي، بشكل سيّد، واتخذنا قرارنا في كل حالة، وهذا يشكل مساعدة. بل وأنه على هذا النحو، أعتقد بأن المستثمر الأجنبي نفسه يكون شاكراً أكثر، لأنه يعرف بأنها مسألة جدية، بأنه أمر سينتهي إلى التطبيق والتنفيذ؛ ليس مجرد بيع البلد بالمزاد لأفضل مراهِن، وفي أحيان كثيرة لا يكون حتى أفضل مراهن، وإنما للذي يعير نفسه لألاعيب معينة تجعله يظهر لاحقاً بحسابات غليظة في سويسرا وفي أماكن أخرى تسمح بدفع بتغطية تكاليف إجازة والإدلاء بتصريحات من شوارطئ فارهة.

90 بالمائة من النظام المصرفي المخصخص، والاتصالات السلكية واللاسلكية، النفط، والألف وستمائة مليون طن هذه من احتياطي النفط، لم تعد هذه للأرجنتينيين بعد اليوم، لقد تمت خصخصتها، لقد بيعت؛ شركة الطيران، الكهرباء. بل وأنه في حالة بيع الشركة النفطية يقال، تُحكى أشياء كثيرة، عن أشخاص مقرّبين بأنه قد تم القيام بممارسة من جانب الذين توجب عليهم تقييم الشركة بألا يعلنوا ثلاثين بالمائة من احتياطها لكي تتم الصفقة بسعر أرخص. أهذه حقيقة، أم ليست حقيقة، هذا ما يحكى بقوة كبيرة والحقيقة أننا لا نستغرب لشيء بعدما رأينا ما حدث بالذات في ذلك البلد.

عدا عن ذلك طبعاً، جميع أعمال الخصخصة هذه تقوم على أساس التسليم بأن الدولة هي دائماً مدير سيئ. حقيقة بديهية لا أعرف في أي مكان تم حسمها، وأين حدثت هذه المناقشة، ومن هو القاضي الذي أصدر حكمه بأن الدولة هي مدير سيئ والسوق مدير جيد دائماً. لماذا فشلت "إنرون"، أفلست وجعلت الخسائر تصيب آلاف المواطنين الأمريكيين الذين كانوا يستثمرون ثرواتهم فيها؟ أعرف حالات كثيرة لشركات حكومية تعمل بفاعلية، وبإمكاني أن أذكر بلداناً كثيرة كأمثلة. يتم وضع سنغافورة كمثال دائماً؛ وأعرف عمليات خصخصة شكلت كوارث حقيقية وأصبحت الشركة المخصخصة أقل فاعلية لاحقاً. لا أريد أن أذكر حالات، ولكن بوسعي الإشارة إلى الكثير منها.

ما هي عواقب كل عمليات الخصخصة هذه؟ حسناً، الأثر الفوري هو الاحتفال، الغنيمة، تأتي الدخول العائدة من مبيع هذه الممتلكات. ولكن ماذا حدث بعد ذلك خلال العشر سنوات التي تلتها؟ بسيط جداً، كحساب إيرادات، بين فوائد وأرباح، غادر إلى الخارج ما لا يقل عن 60 ألفاً و253 مليون دولار.

3. من ناحية أخرى، بالإضافة إلى احتفال الخصخصة، ومواصلةً أيضاً لموقف أصولي ومرتبط جداً بالمفاهيم السياسية كذلك، يتقرر تقييد النظام النقدي بالدولار، وذلك من خلال ما يسمى القابلية للتحويل، الذي لا نريد الدخول في تفاصيله لكي لا نطيل عليكم، ولكنه جلب كمحصلة إعطاء قيمة إضافية للعملة الأرجنتينية. ولماذا يتم فعل ذلك؟ حسناً، من أجل جذب المستثمر الأجنبي، من أجل تخليصه من مخاطر تتعلق بتبديل العملة؛ كما تم فعل ذلك من أجل السيطرة على التضخم، وقد تم تحقيقه خلال فترة من الزمن.
4. الجانب الرابع هو الذي يسمونه هم، في تلطيف للعبارة، جعل قانون العمل أكثر مرونة. وليفهم من ذلك: إزالة الحماية عن العامل كلياً. ألاّ يكون هناك أي نوع من الإمكانيات يستطيع العامل من خلالها إحقاق حقوقه.

في هذه الحالة لاحظت شيئاً يلفت الانتباه. كان في شهر نيسان/أبريل 2000 أن تمت الموافقة في مجلس الشيوخ على تعديل لقانون العمل، من أجل منح حريات أكبر للشركات لكي تتخلص من قوة العمل. جلب هذا كنتيجة، وهذا هو درس آخر، مواجهة مريرة مع النقابات ونشأ في البلاد وضع من الاضطراب. ولكن أكثر ما يلفت الانتباه هو أنه في شهر أيلول/سبتمبر 2000 تعرض العديد من أعضاء مجلس الشيوخ لتهمة تلقي رشاوى من أجل الموافقة على التعديل. يتساءل المرء أحياناً، بالفعل، ما إذا كانت توجد خلف ذلك قناعة بأن ما يجري فعله هو ما يبغي فعله، أم أن هناك ملاءمة شخصية، ثراء للذين يتصرفون بهذه الطريقة، وبأنه إذا ما اتبعوا سياسات تحمي شعوبهم أكثر فإنهم سيفقدون فرصة الوصول إلى مصادر الاختلاس، الرشوة، هذه.

5. خامساً، لم يتم فقط فتح ميزان المدفوعات على أسس تدفق رؤوس الأموال، وإنما تم فتحه على أسس التجارة الخارجية. عملة ذات قيمة إضافة، تجارة خارجية بدون أي قيد. في النهاية، في هذه السنوات، 238000 مليوناً من العجز التجاري.

والآن، من أجل حل هذا العجز، ونحن نتحدث عن عجز تجاري بقيمة 23 ألف مليوناً، عجز في ميزان العائدات يبلغ أكثر من 60 ألف مليوناً. عجز ما فوق العادي، كيف يمكن حل ذلك؟ تم في البداية استخدام الأموال التي تبقت من عمليات الخصخصة، وأقول التي تبقت لأننا نعرف جميعاً بأن جزءاً كبيراً من هذه الأرصدة غادر إلى وجهة لا يعرفها أحد. إنه جزء من أعمال السحر لإخفاء المال. الحل الوحيد هو الاستدانة، وفي سبيل ألا نعود إلى مواعيد أقدم، نذكر أنه منذ عام 1990 وحتى الآن ارتفعت ديون الأرجنتين من 62 ألف إلى 145 ألف مليون –ولدي شكوك كثيرة حول إحصاء ال‍ 145 مليون هذا-، ولا تندرج هنا الديون التي يمكن للأقاليم أن تكون قد استدانتها بشكل مباشر، وهناك شك كبير في ما إذا كان هناك نوع آخر من الديون ليس مدرجاً في هذا، ولكن الإحصاء المتوفر يتحدث عن 145 ألف مليون، 2.3 ضعفاً خلال عشر سنوات، تضاعفت 2.3 مرات.

خلال ذات الفترة قاموا بتسديد 180 ألف مليوناً، أي أنهم سددوا ثلاثة أضعاف الدين الذي كان عليهم عام 1990، والآن عليهم من الديون ضعف ما كان عليهم عام 1990.

قدّر البنك الأمريكي للتنمية بأنه على هذه الوتيرة من شأن الديون أن تصل عام 2003 إلى 167 ألف مليون دولاراً. سياسة المديونية الدائمة هذه، ما النتائج التي عادت بها أيضاً؟ في كل يوم كانت الأرجنتين تصبح أكثر تبعية للأسواق المالية وللهبات، في بعض الأحيان هائلة، التي يقدمها صندوق النقد الدولي طبعاً؛ وبالتالي كان لا بد من اتباع السياسات التي يملونها عليها بدون كثير من الجدل.

ومن بين الأمور التي كان يتم اشتراطها يأتي: استقطاع من النفقات العامة –أصبحنا نعلم ما هو الاستقطاع من النفقات العامة، لأنه ليس استقطاعاً من رواتب الأوساط الحكومية العليا، وليس استقطاعاً من الوسائل التي يتمتعون بها؛ لا، إننا نتحدث عن الصحة، التعليم، نتحدث عن المحالين إلى المعاش. ومواصلةً منها لهذه اللعبة، اتبعت الحكومة ما أسميته أنا سياسة انتحار وهي محاولة تحقيق موازنة بدون أي عجز ضمن اقتصاد يعيش هبوطاً في نشاطه. جميعنا نعرف بأن العجز في الموازنة يمكنه في لحظة معينة أن يساهم في تحريك وتوسيع الاقتصاد. والعجز صفر هو سياسة ركود؛ بل وأنه في الولايات المتحدة، في هذه المرحلة من هبوط النشاط الاقتصادي، تلاحظون كيف أنهم يحاولون حفز النفقات بشتى السبل. وجاء ذلك بمحصلة أيضاً، ما جرى الحديث عنه هنا، أن هناك عمالاً بلا رواتب، عمال لم يستطيعوا على مدى ثلاثة أشهر أن يقبضوا رواتبهم. أنا أتصور أن مواطنينا يسمعون ذلك ويشعرون بالغرابة، بالهول، كيف يحدث ذلك، أن يحل اليوم الذي يجب أن تقبض فيه راتبك ويقولون لك: "لا يا سيد، لا تستطيع أن تقبض اليوم". ولكن، لماذا"، "لا، لأن المال لم يصل". "ولكن لمَ ذلك، ما دمت قمت بعملي".

هذه الأمور تحدث، وهذا طبعاً ليس انتهاكاً لحقوق الإنسان؛ هذا هو "تكيف" يجب القيام به لكي يعمل الاقتصاد ولا ينطوي ذلك على شيء.

هذه السياسة كلها عمّقت الأزمة الاجتماعية وخلقت أيضاً نزاعات حادة بين الحكومة المركزية وبين الحكومات الإقليمية، وحكام أقوياء، كهذا الذي كنا نشاهده قبل قليل، وهو الحاكم السابق لبوينوس أيرسيس، دخلوا في مواجهة مع الحكومة المركزية، في ما خلق أيضاً مستوى من عدم الثقة، ومن عدم المصداقية السياسية، في تلك الأسواق التي كانوا هم بحاجة إليها، والتي جعلتهم يرفعون على نحو ما فوق العادي المديونية التي كانوا بحاجة لزيادتها. كانوا هم بحاجة لزيادة ديونهم الخارجية باستمرار، وأخذ المزيد من الأموال لتسديد ما عليهم من دين والتمكن من المحافظة على حركة البلاد. وصل الأمر بما يسمى الخطر-البلد أن تبلغ نسبته 40 بالمائة. كان واضحاً بأن البلاد ستفلس، وأنه من المستحيل التمكن من المحافظة على ذلك الوضع.

أحد الأمور التي أذكرها كثيراً هو أن القائد العام كان قد ذكر لنا قبل أشهر كثيرة: الأرجنتين تنفجر؛ ثم قال ذلك علناً، ولكنه قبل أن يذكر ذلك علناً بكثير كان قد ذكره في جلسة خاصة.

بل وأنه في منتدى ساو باولو، المنعقد في السابع من كانون الأول/ديسمبر 2001، أي قبل 12 يوماً من الانفجار، قال حرفياً: "لا يحتاج الأمر ولا حتى للنفخ": إن هذا الوضع سينهار، لا مفر من ذلك، ولو اجتمعوا من هذا الحزب أو من ذاك، هنا أو هناك. هذا هو الوضع، أنه غير قابل للديمومة، ولن يأتي أحد في هذه الساعة لينقذ اقتصاد أولئك الذين هم نيوليبراليين مائة بالمائة، نيوليبراليين أنقياء كيميائياً. أصحاب البنوك، وأصحاب احتياط الولايات المتحدة لم يعودوا يكنّوا الحد الأدنى من الاحترام أو التقدير لتلك الدولة. لهذا قلت لكم بأنه لا يمكن لذلك أن يدوم".

قلت لنفسي، كيف أمكن للقائد العام، من على مسافة آلاف الكيلومترات، عبر المعلومات التي يتلقاها، من إدراك هذه الحقيقة الواضحة، والحقيقة أنه لم ينقصه إلا أن يذكر اليوم الذي ستنفجر فيه، في حين أن الذين يتواجدون هناك لا يفعلون شيئاً من أجل وقف ذلك الوضع، الذي كان المرء يراه؟ إنه كمن يتجه إلى مضيق ويتابع طريقه معمي البصيرة، ويتابع، لأن أحداً خلفه يقول له: "تابع، فهناك لا توجد هاوية". ويتابع بجنون، بدون أن ينظر إلى شيء. وأخيراً حدث ما كان قد توقعه القائد العام.

عندما بدأ ينجلي بوضوح أن البلاد تسير نحو الانهيار كفّ الرأسمال الأجنبي عن التدفق؛ وعلى الصعيد الداخلي، الذين كانت أموالهم داخل البلاد، وكانوا على اطلاع، ليس الفقراء الذين شاهدناهم، كتلك السيدة التي قالت: "لقد سرقوا مالي". الذي كان على اطلاع وضع ماله بكل بساطة وبحذر شديد في الخارج. لم يعاني هذا من العواقب.

راندي ألونسو: هناك تحقيقاً بدأ، سوبيرون، مع رئيس المصرف المركزي، لأنه يقال بأن هناك 12 شخصاً…

فرانسيسكو سوبيرون: سوف نرى ذلك بعد لحظات قليلة.

الآن، في هذه اللحظة أقول لك بأنه قد حدث وضع احتراق الأخضر واليابس. فليسلم كل بجلده. لقد اختفت العقلانية من الوجود هناك، وفي مثل تلك اللحظة هناك من قال للحكومة: "يجب إعادة جدولة الديون والقول بأنه لا يمكن مواجهتها". بل وأنه كان هناك من قال: "فليتم إعلان تأجيل مؤقت للتسديد". ببساطة، أصر بعناد حتى اللحظة الأخيرة على عدم إعلان ذلك التأجيل، ولكن، على حساب ماذا؟، لأن ذلك لم يتم على حساب رواتب الذين كانوا يتخذون تلك القرارات وعلى حساب ثرواتهم الشخصية، وإنما كان على حساب القول في لحظة معينة: "بما أنه لم يعد لدي مزيداً من المال…" لأن جميع المدخرين الخارجيين، جميع المستثمرين الخارجيين أخذوا المال، أي مال تبقى عندي في المصارف؟ آه! بقي لدي مال المواطنين، مال الشركات الصغيرة، ومال الذين لم يتمكنوا لسبب أو لآخر من سحب مالهم من البلاد. قرار الحكومة: أنا سأدفع لصندوق النقد ومال شعبي أسحبه منه. إن هذا بالصورة، بالنسبة لي، هو كمن يسحب المال من جيب كل أرجنتيني، أو المال الذي كان لديهم في المصرف، ويحوّله بكل بساطة إلى صندوق النقد، لكي يقولوا له أنت شخص طيّب، أنت تفي؛ وفي نهاية الأمر لم يتمكنوا من ذلك رغم فعلهم لهذا.

وصلنا إلى اللحظة التي حدث فيها ما يسمى "كورّاليتو". يوم حلّ "إل‍ كورّاليتو" قلت: "أكثر من كونه "كورّاليتو"، وهو أمر تصويري، برأيي أن مال الشعب الأرجنتيني قد وضعوه في خندق تماسيح. هذا ليس "كورّاليتو"، إنما هو خندق يوجد حوله تماسيح، فلكي تصل إلى هذا المال، لا بد وأن تتلقى في الواقع الكثير من ضربات الشرطة، لسوء حظهم، أبناء هذا الشعب النبيل، العامل، الذي نحب ونقدّر عالياً.

تم تجميد نحو 65 ألف مليوناً، ولكن، بما أن قيمة الدولار والبيسو الأرجنتيني كانت متساوية، كان هناك 45 ألف مليون عبارة عن إيداعات تم إنزالها بالدولارات، و20 ألف مليون بالبيسو.

هناك أمر ربما لم نتنبّه نحن إليه كثيراً، وهو أن المسألة لا تتعلق بمدّخرات المواطنين فقط. لا، بل ما هو أخطر؛ المسألة هي أن نسبة مئوية عالية من الرواتب في الأرجنتين يتم تسديدهابواسطة حسابات مصرفية، على نحو تقوم فيه الشركة بإيداع راتبك في حساب مصرفي، وهذا القيد يعني أن راتبك العادي لا تستطيع سحبه أيضاً. يمكنك أن تحتاجه لدفع فاتورة الكهرباء أو المنزل أو الغاز، إنه مال كسبته أنت، ولكنه إذا كان يتجاوز الحدّ الموضوع لا تستطيع سحبه، قُم بمراكمته هناك. ويقال بأنه سيتم إيداعها في حسابات، لمدة ثابتة، إلزامياً، وأنه لن يكون إلا اعتباراً من شهر كانون الثاني/يناير 2003 أن تبدأ إعادته.

كنت أود أن أقدّم شرحاً أكثر تفصيلاً، ولكن الغموض الكبير يغلب على كل ما يقال وكل ما يجري فعله، وهناك تغييرات مستمرة، الأمر الذي يبعث حالة من ثبط العزيمة، ليس عند الشعب فقط، فمستوى التوتر والمشكلات النفسية عند عمال المصارف مرتفع جداً. هناك معلومات عن ذلك، عن أرق، وأن عليهم أن يلجأوا لتناول الأقراص المهدئة، أنه أمر مريع، لأن الوجه المرئي للمصرف هو ذلك الشخص العامل على النافذة، والذي هو في بعض الأحيان لا يعرف، ولا يستطيع أن يقول لمن يصل ما بوسعه أن يفعل، وما ليس بمقدوره أن يفعل. هل أستطيع سحب مالاً؟ ألا أستطيع سحبه؟

ولكن هناك أمر واضح: لا تستطيع أن تسحب مبلغاً يتجاوز حدوداً معينة؛ وثانياً، ليس بوسع أحد أن يسحب دولارات. يبدو لي بأن هذا الأمر واضح جداً. الوعود التي أُطلقت بأنه سيكون بالإمكان سحب الإيداعات بالعملة التي أُدخلت بها، وأن من أودع ماله بالدولارات يستطيع سحبها بالدولارات، هذه الوعود ذهبت مع الريح، سيكون ذلك بالبيسو بكل بساطة. إنه بيسو انخفضت قيمته ليبلغ 1.40، ولكن ذلك ينطبق على العمليات الرسمية، التي سيعيدون إليها جزءاً، ربما، من أموالها، وفقاً للحدود الموضوعة؛ ولكن هذا الشخص إذا أراد أن يشتري دولارات، عليه أن يشتريها في السوق الحر، وقد وصلت قيمة الدولار هناك إلى 2.15، وتبلغ قيمته الآن 1.85، حيث تدخل المصرف المركزي من أجل منع تدهور أكبر في قيمة الصرف.

تحدثنا على طاولات سابقة عن حدود الإيداعات وأحب أن أذكّر دائماً بأن المواطن الأرجنتيني، على سبيل المثال، لكي يغطي نفقاته يحتاج لنحو 70 دولاراً شهرياً لدفع فاتورة الكهرباء لعائلة مكونة من أربعة أشخاص؛ خدمات الغاز، 35 دولاراً شهرياً؛ الماء، 30 دولاراً شهرياً؛ والمنزل، بما يعتمد على الحي –كما في أي مكان-، يمكن لإيجاره أن يصل إلى مبلغ يتراوح ما بين 300 و1000 دولار. أعرف بأن هذه الأرقام يمكنها أن تبدو لنا غير واقعية، مفرطة، أليس كذلك؟ لأنها الحقيقة، أصبح من المعتاد في كوبا أن يصل معدل قيمة فاتورة الكهرباء إلى 13 بيسو، أي 50 سنتاً من الدولار في الشهر. وبالمناسبة، أستغل الفرصة لأقول فقط أن الصحافة الأجنبية، وفي سبيل إجراء مقارنات، تذكر تكراراً ما يبلغه دخل الكوبي بالدولارات عبر تقسيم هذا الراتب على قيمة سعر الصرف في دور تبديل العملات؛ ولكنها لا تذكر أبداً، عبر استخدامها لذات الطريقة، بأن الكوبي يدفع خمسين سنتاً من الدولار لتغطية فاتورة الكهرباء، أو دولاراً واحداً للإيجار، أو أنه يستطيع أن يشتري عملياً الاحتياجات الشهرية لأربع أشخاص من المواد الغذائية الأساسية بأسعار تتمتع بمعونة رسمية بما قيمته دولارين.

حسناً، في تلك الفترة وقعت الأحداث الأكثر غرابة، وكما قيل هنا، لو لم يكن الموضوع يبلغ ما يبلغه من المأساوية، الحقيقة أنهم حتى غرباء، في بعض الحالات، كتلك العائلة التي شاهدناها وقد ذهبت لقضاء إجازها في المصرف.

راندي ألونسو: في مصرف.

فرانسيسكو سوبيرون: نعم، إنه أمر لا يصدَّق. دققوا جيداً بما قاله دوهالدي نفسه، فيما يتعلق بهذه الظواهر التي وقعت خلال هذه الفترة.

قال دوهالدي: "هناك شكوى تم ذكرها في هذا الكونغرس عن عدم القانونية المحتملة لتحويل جزء من هذه الأرصدة إلى الخارج عبر مناورات". وعندما يقول "جزء من هذه الأرصدة"، إنما هو يخص بالذكر الخمسة وستين ألف مليون دولار التي تم الإمساك بها في خندق التماسيح.

راندي ألونسو: 65 ألف مليون دولار.

فرانسيسكو سوبيرون: نعم، 65 ألف مليون دولار تم الإمساك بها في ذلك الخندق.

ويقول: "يجب التحقيق جدياً في هذه الشبهات، لأنه يجب ضمان ذهاب الذين سرقوا مال الناس" –هذا ما قاله الرئيس دوهالدي- "والذين لم يعثروا على السارقين، إلى السجن".

لنلقي نظرة سريعة على بعض الحالات المأساوية. لدينا هنا سيد، طيب جداً، نبيل، يحظى بتقدير جيرانه، يحبونه، وصل إلى المصرف حاملاً قنبلة، مريض بالسكري، يعتمد علاجه على الإنسولين، ويحتاج لهذه المادة؛ ينبغي القول أن العلاج بالإنسولين خلال شهر واحد يحتاج لحوالي 45 دولاراً لشرائه في الأرجنتين وهو ذات الإنسولين الذي نبيعه نحن بسعر 1.25 بيسو، نفسه؛ أي ذات النوع من الإنسولين، وذات الجرعة، إلى آخره، الذي يباع هنا بأربعة سنتات من الدولار، يكلّف هناك 45 دولاراً.

وصل هذا الرجل حاملاً القنبلة وقال: "إما أن تعطوني مالي وإما نُنسف جميعاً". وبالطبع، حيال طريقة مُقنعة بهذا القدر، أعطوه المال (ضحك). ثم ألقوا القبض عليه لاحقاً. تقول البرقية: "مع أن الشرطة حاولت استعادة المال الذي كان نوربيرتو قد استرجعه، لم تتمكن من العثور على القطع النقدية، فلا أحد غيره يعرف أين هي"، وطبعاً لم يضعه هو في بنك مضمون (ضحك). يقول جيرانه هنا: "جميع أبناء الحارة يرون فيه جاراً ممتازاً، ‘إنه جار ولا أفضل، طيب جداً، وتضامني جداً‘، هذا ما قاله وكرره أبناء الحي يوم أمس رداً على أسئلة الصحيفة، ‘إن ما قام به إنما فعله بدافع غليانه وامتعاضه‘". وتقول الصحيفة بأن نوربيرتو مدمن على تناول الإنسولين، وحالته خطيرة، عليه أن يحتقن بهذه المادة مرتين في اليوم وتعرض في مناسبات عدة لنوبات سكر.

يمكن القول بأن موضع الطرافة هنا هو أن نوربيرتو المسكين متهم "بابتزاز المال"، لذهابه حاملاً قنبلة لكي يعطوه ماله، وعلى هذا الرجل أن يواجه اتهامات قضائية "بابتزاز المال".

يقول الصحافي بأنهم تلقوا في جريدته اتصالات هاتفية كثيرة، وتقول البرقية: "من بين كل 10 مكالمات، تسع ونصف منها تضامن أصحابها معه وأيدوه، حسبما ذكر صحافي من ‘راديو تانديل‘. بل وأن أحد المتصلين حذر بأنه في حال الإبقاء على الرجل محبوساً سيقومون بتنظيم شعبية". أتصور بأن يكون مظاهرة ضرب على الطناجر أو شيء من هذا القبيل.

هناك برقيات صحفية أيضاً وصلت عن موضوع احتياطات المصرف المركزي. وصل حجم الاحتياط الأرجنتيني إلى 24 ألف مليون دولاراً، ولدي هنا برقية تنقل عن صحيفة "إل‍ كلارين"، في عددها الصادر يوم الخميس 27 كانون الأول/ديسمبر، قولها: "مع أن أرقام المصرف المركزي تؤكد بأن الاحتياط من السيولة، والذي تشمل الذهب والعملة الصعبة، تصل قيمته إلى 14300 مليوناً" –أي أقل مما كان عليه بحوالي عشرة آلاف- "فإن الروايات التي تشاع في النظام المالي تقول شيئاً آخر.

فحسب هذه الشائعات، ‘عندما فُتح الصندوق، وُجد 3500 نقداً والبقية عبارة عن أوراق‘، هذا ما قاله مصرفي عند ذكره للدهشة التي شعر بها وزير المالية، رودولفو فريجيري، يوم الاثنين".

الحقيقة أنني حاولت لاحقاً أن أبحث وأراجع أكثر، فقد وردت أنباء كثيرة متناقضة، وربما يكون هذا الرقم هكذا، غير دقيق. فربما يكون المبلغ أكثر من هذا أو أقل منه بقليل، ولكنه يعكس على كل حال حالة الخوف المطلق السائدة حيال أمر بالغ الجدية كما هو حال احتياط المصرف المركزي.

لدي هنا برقية صحافية أخرى: "..يؤكدون بأن حكومة دي لا رووا كانت على علم بانخفاض احتياط المصرف المركزي. فمدير ‘بانكو إيبوتيكاريو‘ (بنك الرهن العقاري)، خوليو ماتشي، أكد اليوم بأن حكومة فيرناندو دي لا رووا كانت على علم بأن احتياط المصرف المركزي آخذ بالهبوط، وأكد بأنه قد تم الكذب على الناس، وذلك بعدم إبلاغهم بالوضع الحقيقي للمالية الأرجنتينية.

‘كيف أنه كان عندنا ما يكفي من الاحتياط لتحمل سعر الصرف 1 مقابل 1 وفي اليوم التالي طار كلّه واضطر الأمر لخفض قيمة العملة‘، تساءل ماتشي، الذي أكد بأن أحد أكبر الأخطاء المرتكبة هو أن الحكام الذين كانوا على علم بهذا قد كذبوا على المواطنين".

"الرئيس السابق لبورصة تجارة بورتو رأى بأنه لا بد وأن المسؤولين كانوا على علم بالوضع السائد، ولكنهم حوّروه وزيفوا حقيقته". وهنا برقية أخرى تقول: "تتعمق العدالة الأرجنتينية في التحقيق بفرار الإيداعات المصرفية.

والآن، يوجد أمر هنا بعث الدهشة عندنا بعض الشيء، وذلك لكونه شكوى ليست من النوع المعهود.

النائب فرانكو كافيغليا، وهو من الحزب البيروني الحاكم أيضاً، أكد هذا الأحد في حوار مع ‘راديو أميريكا‘ بأنه سوف نبدأ بإجراء التحقيقات ما قبل النهائية مع شرطة الجمارك. وأكد المشرّع على طلب تقارير من السلطة التنفيذية لكي يكشف المصرف المركزي والجمارك ما إذا كانت الهيئات المصرفية قد أخرجت أموال صعبة إلى الخارج قبل التجميد المصرفي بوقت قصير". عندما قرأت هذه البرقية كنت ما أزال أعتقد بأنهم يتحدثون عن التحويل الإلكتروني، كما هو الحال بشكل طبيعي، لإيداعات يتم تحويلها إلى الخارج عن الطريق المصرفي. لا، ليس كذلك.

وهناك برقية أخرى تتحدث عن مداهمات، لأن العدالة عاكفة على التحرك. فتقول: "أكدت الشرطة بأن المداهمات التي تجري بطلب من القاضي الفدرالي، نوربيرتو أوجاربيدي، على أثر الشكوى" –شكوى أخرى- "التي تقدم بها المحامي الراديكالي، خوان كارلوس إيغليسياس" –أي أن هناك مداهمات للبنوك.

"فقد طلب إيغليسياس التحقيق بفرار 20 ألف مليون دولاراً منذ الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حتى موعد فرض ما يسمى إجراء ‘كوّراليتو‘.

الشكوى التي يحقق فيها وجاربيدي تقدم بها المحاميان إسحق دامسكي وأوغوستو فيرونيلي، اللذين وجها تهمة الغش للرئيس الأسبق فيرناند دي لا رووا، ووزير الاقتصاد السابق، دومينغو كارفالهو، ورئيس المصرف المركزي المستقيل، روكي مكارّوني"؛ أي أنه ليس هناك هذا النوع من المداهمات للبنوك فقط، وإنما هناك تحركات ضد الرئيس الأسبق ووزير الاقتصاد السابق ورئيس المصرف المركزي السابق.

والآن، برقية أخرى تقول: "أكبر الإيداعات قد غادرت البلاد"، لا أعرف حجمها. هناك معلومات تقول بأنه قبل أيام قليلة فقط من العمل بال‍ "كورّاليتو"، والذي يبدو بأنه كان سرّاً معروف بعض الشيء من قبل بعض الناس الذين كان لديهم أموالاً كثيرة في المصرف، تم سحب خمسة آلاف مليون دولار.

عندما نرى أموراً كهذه لا يمكننا طبعاً إلا أن نرى بأننا نحن، في كوبا، حيث يفترض بأنها موجودة كل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، لدينا موازنة للضمان الاجتماعي تبلغ 2300 بيسو وأنه في أكثر لحظات الفترة الخاصة هولاً لم يذهب محال إلى المعاش إلى بنك ولم يُدفع له معاشه المتواضع، الذي تتوفر لدينا الموارد لتقديمه له. أعتقد بأنه لا يمكن أن يكون قد خطر على بال أي مسؤول في هذا البلد استخدام المتقاعدين عندنا كعملة تبديل، واستخدام المواطنين الذين يثقون كل ما يثقون بالنظام المصرفي ليبلغ عدد الحسابات خمسة ملايين حساباً.

راندي ألونسو: على العكس تماماً، سوبيرون، ما تقوم به الثورة في هذه اللحظة هو برامج أيضاً من أجل تقديم عناية أفضل لهؤلاء المتقاعدين.

فرانسيسكو سوبيرون: بالضبط، جميع البرامج الاجتماعية التي لا ننتهي من تعدادها لو عرضناها هنا، والتي يستفيد منها هذا النوع من النفقات، ما ذكره فيليبي عن أجهزة الكمبيوتر في المدارس، والبرامج التي يقوم بها القائد العام بكل قوة، العمال الاجتماعيون، لكي يتمتع كل كوبي بعامل اجتماعي يساعده إذا احتاج لذلك، وليس لدى كوبا، لسوء الحظ، تلك الثروات التي لدى الأرجنتين، من ناحية الثروات المادية؛ وإنما نعم لدينا شعباً هو بالطبع –كما ذُكر- أكبر رأسمال لنا، ولكن لدينا أيضاً حصاراً؛ على الأصح حرباً اقتصادية حاولت خنقنا على مدى أربعين سنة، وهذه هي الظروف التي تمكنّا في خضمها من ضمان قبض المتقاعدين عندنا لمعاشاتهم، وطبعاً، على هذا المنبر نفسه، أكد القائد العام لشعبنا، قبل شهرين من اليوم، بأنه سيتم احترام إيداعاته دائماً، كما فعلت الثورة دائماً، ومحصّلة كل هذا ببساطة، يا راندي، هو ارتفاع عدد الإيداعات في المصارف، أي الثقة الكاملة من جانب المواطنين، المصداقية المطلقة عند مسؤوليه والقائد العام بشكل أساسي.

لا يمكن لعنوان المقالة أن يكون أكثر إهانة مما هو عليه: "الأرجنتين في طريقها للتحول إلى جمهورية موز". مهين ومتناقض بعض الشيء، لأنني بحثت في القانون عن معنى "جمهورية موز"، حضرني هذا الفضول، ويعرّفها قاموس أمريكي بأنها: "بلد من أمريكا اللاتينية يقع تحت التأثير المتمادي لاقتصاد الولايات المتحدة". هذا هو التعريف الذي يعطيه قاموس أمريكي ل‍ِ "جمهورية موز"، هم أنفسهم. من فضلكم، لا أريد أن يشعر أحد بالإهانة، إنما هم الأمريكيين الذين يضعون هذا التعريف، وأنا أكتفي بالإعلان عنه.

الحقيقة أنها مقالة لا يمكنها أن تكون أكثر إهانة، وبإمكاني القول أنها تعكس احتقاراً يجرح شعور أي كان. إنها تقارن ما يحدث في الأرجنتين مع سيناريو فيلم سينمائي، فيلم فكاهي لوودي ألين. فتقول: "يبدو وكأن معدّي سيناريو هذا الفيلم يعكفون الآن على تصميم السياسة الاقتصادية الأرجنتينية، لأن الإصلاحات الجديدة في ذلك البلد هي إصلاحات مجنونة بالفعل. تبلغ السياسات من السوء درجة أنه حتى صندوق النقد الدولي سيكون عليه الحذر عند تقديمه المزيد من الأموال من أجل القيام بعملية إنقاذ". هذه المقالة مهينة جداً حتى للرئيس دوهالدي نفسه. الحقيقة أننا نحن، كأمريكيين لاتينيين، نشعر بالإهانة من هذه المقالة.

والآن، كيف تنتهي المقالة؟ تقول: "رغم كل هذا، ما زالت الأرجنتين تطلب" –بقولها "رغم كل هذا" تعني كل ما قالته عن كل الأخطاء التي يفترض أنها ترتكب، وبأن السياسة غير نافعة وبأنه عمل مجنون- "ما بين 15 ألفاً وعشرين ألف مليون كأرصدة جديدة من صندوق النقد الدولي. و صندوق النقد الدولي ووزير مال إدارة بوش ما زالا يقولان بأنهما لن يتحدثا إلا إذا تقدمت الأرجنتين ببرنامج صحيح. ولكن بلداً يتصرف كما تتصرف الأرجنتين لا يستحق حتى الأمل باستلام مساعدة دولية؛ إنه يستحق نفيه من أسواق رؤوس الأموال من كل نوع، الخاصة والحكومية. إذا كانت الأرجنتين تود السير في طريق هايتي، فهذه مشكلتها، ولو شكل ذلك مأساة لشعبها" –المقالة مهينة طبعاً للبلد الشقيق، هايتي، كذلك-؛ ولكن ما لم تعد لاحترام الحقوق الخاصة وفهم القانون، تستحق الأرجنتين أن تُعامل كأي جمهورية موز أخرى".

الحقيقة أنه محزن جداً الدور الذي لعبته وزارة الخارجية الأرجنتينية بالذهاب إلى واشنطن لتضع نفسها تحت أمرة السيد الذي يشعر بكل ما يشعر من احتقار تجاه البلد الذي يتوجب عليها أن تمثله بكرامة.

هذا ما أردت قوله.

راندي ألونسو: حسناً، معالي الوزير، وكم يختلف عمّا فعلته وزارة خارجيتنا على مدى كل هذه السنوات دفاعاً عن حقوق شعبنا، ما تفعله وزارة الخارجية تلك التي، بعيداً عن الدفاع عن حقوق شعبها، وهموم شعبها، تكرس نفسها لأن تكون مطيعة في خدمة هذا السيد.

أود أن أشكرك، يا معالي الوزير، وأن أشكر باقي المشاركين في هذه الطاولة الذين رافقتموني هذا المساء؛ وأن أشكر مدعوينا إلى الأستديو، ووفد اليسار الموحّد الإسباني الذي رافقنا على نحو خاص في هذه الطاولة، والرفيق لاخي، وأن أشكر خاصة بالطبع القائد العام على حضوره لطاولتنا المستديرة لهذا اليوم.

يا أبناء وطننا الأعزاء:

الانحناء والجثو يعششان في وزارة الخارجية الأرجنتينية. فكل زيارة يقوم بها وزير خارجية أرجنتيني إلى واشنطن تحولت في العقد الأخير إلى عمل إجلال للسيد القوي وذلاًّ أمامه. فقد فعل ذلك من قبل كل من دي تيجا وجيافاريني. والآن جاء دور السيد روكاوف، المعلّم في المطواعية الأخلاقية، والذي غادر العاصمة الأمريكية بصداع شديد.

في وقت يعيش الشعب الأرجنتيني أزمة بالغة المأساوية ويفتقد لأبسط الحقوق الإنسانية، كالحق بالغذاء وبالحصول على الخدمات الطبية، تقوم وزارة الخارجية الأرجنتينية، وبعيداً عن الدفاع عن حقوق ومطالب شعبها المتألم، بالإعلان في عاصمة الإمبراطورية وبكل طلاقة لسان، عن تحركها "لكي يكون الشعب الكوبي حراً"، مستخدمة بلدنا كورقة عملة أمام مطالب القوة العظمى التي حوّلت الأرجنتين، من خلال صندوق النقد الدولي، إلى الجحيم الكبير الذي هي عليه بالنسبة لشعبها.

إن جبن وزير الخارجية هذا ووزارته وقلة القيم الأخلاقية عندهما يبعثان الامتعاض، كما يبعث الألم في عمق الأعماق ما على الشعب الأرجنتيني معاناة في هذه اللحظة المؤسفة. نؤكد لهذا الشعب العزيز على تضامننا معه.

الأرجنتين، التي كانت في الأمس نموذجاً للنيوليبراليين، هي اليوم أفضل عينة لنظام يقوم بهدم الأمم ويهمّش أبناء البشر.

في غضون ذلك، تواصل كوبا بناء الحلم بإقامة أعدل مجتمع ممكن. والشعوب، المقهورة والمهملة، تقف إلى جانبنا. هي التي تصنع التاريخ؛ أما الآخرون، المنحنون والجاثون والبؤساء، فيبقون منسيين في صفحة سوداء ما من هذا التاريخ.

لن يوقفنا شيء في المعركة من أجل تحقيق أحلامنا.

من أجل كوبا، وإلى جانب فيدل، سنمضي في المعركة.

طاب مساؤكم.